2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

تطوير التعليم، الواقع والمأمول

د.محمد بن أحمد البرواني

إنَّ تطوير التعليم يتطلّب منّا نقاشاتٍ مستمرةٍ ومتقدمة، وخطط وبرامج يتمّ التأكيد عليها باستمرارٍ في كلّ حين؛ لأنّ ذلك سيعمل على توجيه الأفكار وبذْل الجهود إلى هذه الأولوية ليتمّ إتقانها، ثمّ العمل بها وتطويرها وتحسينها إلى مستوى الطموح، فالطالب لكي يتعلم المهارة ويتقنها لابدّ أنْ يقوم المُعلم بتدريبه ومتابعته حتى يُتقن تلك المهارة ويُحسن استخدامها.

وعليه فإنه لابدّ للمشرفين القائمين على التعليم ويعملون على متابعته حتى يتقن المنفّذون ما خُطّط له مِن عملٍ وما نُفّذ من مهارات تعليمية أتقنها الطلاب خلال تعليمهم في تلك المرحلة، ولكنْ للأسف فإنّ التعليم مازال بعيداً عن ذلك ويتجه روّاده إلى مناقشة قضايا الاحتياجات مِن سياراتٍ وكُتبٍ ومُعالجة مَرافق، وهذا ديدنٌ مستمرّ في كل اجتماعٍ ولقاء، وإن كان الاجتماع لا يسير وفق أصول الاجتماعات التي يجب أنْ تقرّر حلولاً للمشكلات التي تعترضهم، مما جعل البوصلة تتجه إلى أولوية قيام العاملين بالمدارس إلى التوجه نحو تجهيز المدرسة ومعالجة مفاتيح الكهرباء وتسريبات المياه وغيرها من الأمور التي أخذتهم بعيداً عن تطوير التعليم وتحسينه، والعمل على قيادة التغيير، والوصول بالمستوى التعليمي الذي يواكب التطور العالمي والتقني.

وليس ثمة ما يدعو إلى هذا التوجه سِوى أنّ السلوك الإنساني هو أساسٌ في العمل على التحسين والتطوير، ولم يكن يوماً من الأيام حدوث فعل من دون سلوك، فالتقيّد بالسلوك في الصلاة من انضباطٍ وخشوعٍ وتذلّلٍ لله -عز وجل – ناتجٌ عن تدريبٍ وتعليمٍ صحيحين بالأُسُس والمنهجية التي يجب عملها في هذه المهارة والتأكيد عليها بشكل مستمر، فتعليم الصلاة يبدأ من سبع، ويتم التأكيد عليها ومعرفة إتقانها لعشر، مما يجعل من السهولة واليسير تعديلها وتحسينها بحيث تصل إلى القواعد المفروضة في ذلك، وليس هناك مثالٌ أدلّ في عالَمنا من مهارة السلامة ومبادئها وقواعدها، فيعمل الفرد تِباعاً على اكتساب المهارات مِن خلال التدريب والتعليم، ثمّ الاختبارات التي تظهر إكتسابها لهذه المهارة بدرجة تُحقق الالتزام والسلامة، وهو الهدف المرغوب فعله، ولن ينتهي الأمر على ذلك بل يقتضي ذلك متابعة مستمرة وتأكيد على تلك المبادئ من خلال فِرَق الجودة المستقلة التي تعمل على متابعة ذلك، بل وتعدّاه إلى مرحلة وضع الحوافز للمُطبق بشكل كبير، والحاصل على درجة عالية في استخدام المهارة وإتقانها، ومحاسبة مَن أخلّ بتنفيذ هذه المهارة وعمل على الإخلال بمبادئها وقواعدها، وبالتالي تصبح سلوكاً في حياة الإنسان في كل وقت وفي كل مكان، وليس في مجال العمل فحسب، والناظر المتتبع للعاملين في الشركات النفطية هم أكثر تنفيذاً لهذا السلوك، فهم حريصون على أن يلبس أبناؤهم حزام الأمان، وحريصون على أن يقفوا بالشكل السليم بسياراتهم، وحريصون على وجود مقاعد الأمان للأطفال، وحريصون على السفر في النهار.
كل هذا السلوك لم يَحدث جُزافاً إلا من خلال ممارسة السلوك والتأكيد عليه.

إنَّ العمل على تكرار هموم العمل الجانبية والانشغال بها يُعدّ مضيعةً للوقت، وتوجّه إلى ما لا يفيد، وزيادة لضغوط العمل، وتحبيط للعاملين على التكرار والإحساس بالإنجاز، وتوطيد لتحميل المسؤوليات للضعيف وإنهاكٌ للمال، وتجميد للفكر وتأخير للتقدم والتطوير، وإرسال رسائل سلبية بدَور التعليم في إعلاء راية الفكر والقِيَم وبناء المجتمعات الروحية التي تتّسم بالسموّ والتواضع، ومعرفة وجودية الخالق، والبُعد عن الفساد والغرور والعلوّ، والاتجاه إلى التواضع والرّفعة والعزة التي بيّنها الله لعباده، وجعل التعليم وسيلة لرفعة مكانة الإنسان، وترفعه عن كل رذيلة، وقدرته على خلافة الله في أرضه، وتحقيق مبادئه، والاستفادة مما سخره الله له في خدمته؛ ليصل إلى مرتبة العزة والكرامة والمنعة، فهو مخلوق سجدت له الملائكة، وعوقب الشيطان الذي رفض الانصياع لقدرة هذا المخلوق الرباني المُحصن بالعلم والعمل.

لذا يجب على القائمين على التعليم في مجتمعاتنا أن يتركوا هذه الأمور جانباً بتفعيل اللامركزية، وترك ذلك للأفراد العاملين والمختصين بذلك، ومنحهم الحرية على الابتكار ومعالجة القضايا التي هي الشاغل الأول الآن في أذهانهم، والسلوك الذي يعوّدونه عليهم حتى يعتادون عليه، وأن يهتم القائمون على التعليم على تحديد مجموعة من المهارات لكل مرحلة من المراحل، ويعملون على تأطيرها ومتابعتها والتأكيد عليها وتحفيز من يحققها لطلابه، ومحاسبة من يهملها؛ وذلك من خلال الاختبارات الوطنية وفِرق الجودة، والعمل على ذلك بجدية، وتوجيه سلوك العاملين عن ما يعيق تطوير التعليم وتحسينه وتحقيق أهدافه لتصبح سلوكاً ومنهجاً قويماً، وأولوية كل منفّذ وكلّ متابع ومُخطط ومتطور للتعليم.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights