بوح أخرس
هيثم بن حمد الجهوري
دائمًا ما تُعرف الأشياء بأضدادها ومن ذلك مفردات كانت مجرد قواميس مبهمة وعباراتٍ جامدة فقد استوعبت معنى الإدراك والتيقظ من فرط الشعور بالهذيان.
الهذيان الذي يتحسس خطى أنفاسكِ في الطرقات.. الهذيان الذي يهمس للورد كيف اكتسى بألوانكِ.. الهذيان الذي رسم طيفكِ في سماءٍ أغدقت الروح بالقُبلِ ودقا فتعالى بريق مبسمكِ قوساً امتزجت ألوانه طيفاً في سماءِ القلوب فتحلق طيور الأحاسيس أسرابا.
كم تُهت في دروب الكلمات بحثاً عن حروفٍ تواري طيف نوركِ وأخرى تقيم صلب اشتياقي
كأن الحروف تدور في مدارك وتسبح في فلك قِدِّيسَتكِ
واليوم أقف أُحاكي خطاكِ منتصباً في منتصف كل مكان مسترسل ذراعيَّ في شموخٍ يضاهي كبريائكِ ؛ وَتَحَدٍّى ليس بأقل من ذلك اللمعان الذي أجدهُ في بريق كلماتكِ التي أشعلت النور في أعماقي.
كم تسنده يداي في ذهولٍ وأنا أترنم بحديث ثغرٍ تارةً أتيه في عذب الصوت وأخرى في غزل نسيج الكلمات.
كم تمنيتُ لو كنت ممن يحتسي العلم من نبع فكركِ وعذب علمكِ أو يزاحمكِ في مقاعد العلم.
كيف لنسائم حديثكِ أن ترتب على الأنفاس، كيف لذلك الهدوء في النظرات أن يبدد كل سكون كيف لذلك الصرح من العلم والفكر أن تجمله بتواضعٍ يهيم القلبُ في إدراكه!!
ومن حينها ووجهكِ يقتفي بصري ويسرق في الزحام ملامحي وتَتْسعين في قلبي كَحِبْر من بحر أفكاري وتنتشرين مثل النور في أعماقي ويهزم صوتكِ إصراري.
الإصرار الذي حاولت أن أستقيه من خطى طريقٍ مهدته قوتكِ وعزيمتكِ والآمال العريضات التي لم تنحى إلى الصخور الراسيات عراقيلا ولا إلى أشواك هتافات المثبطينَ التي تدمي الروح دماً.
دعني أبوح لك بكلماتٍ أُثقلت خطى روحي، إنكِ ذلك الشغف الذي كلما خفت كان الحنين والأشواق فتيلاً يُأَججه
وحدها كلماتكِ تروي جهل لغتي وعيناكِ هي نبض حروفي وأهيم مترنحا أحتسي ورد عذوبة حديثكِ.
هنا تفطنت إلى حجم الفوضى التي مارستها فلملمتُ الرسالة في عَجل وَأَسْرَعَتْ في التقاط الكتاب المترنح على أرضٍ وأعيد تلك الرسالة في حجرة وأمسح على غلافه في توددٍ واعتذار
شذرات من خطاب في العشق
تأليف رولان بارت، كان الاسم الذي يزين صدر الكتاب،
هنا تمتمت وأنا أخبئ الرسالة في أعماقه وأرتب موقعه في الرف بين الكتب حتى الرسائل تختار من يألفها.
آه كم كتبنا من رسائل وكم محينا من شعور وكم كلامٍ ظل حبيس الحناجر وآخر خلف قضبان الأوراق والرسائل.
وحده الله يعلم كم مكثت هذه الرسالة في أعماق الكتاب ووحده الله يعلم هل سوف تصل يوماً إلى من كُتبت من أجله.
وليت مدبراً كل شي الكُتب والمكتبة والجامعة والشارع ومع ذلك ما زالت كلمات تلك الرسالة تلاحقني، كل الأمنيات وعظيم الرجاء أن تجد يوما طريق وجهتها.