الفجوة بين الجيل والآخَر
مها بنت أحمد الشبلية
فجوةٌ صغيرةٌ قد تكبر وتتّسع بمرور الوقت وتصبح مشكلة كبيرة ليس لها قيود للحدّ منها والسيطرة عليها. الفجوة التي أقصدها هي تلك التي نجدها ظاهرة ومنتشرة في هذا العصر بين جيلٍ وجيل، فقد أصبحتْ تنتشر بشكلٍ كبيرٍ بين جيل الآباء والأبناء. تنتج هذه الفجوة نتيجة عدم التوافق بين الآباء والأبناء بسبب الاختلافات الاجتماعية، والعُمرية، والفكرية.
لا يقتصر الأمر على بزوغها وظهورها بل يتبعها العديد مِن المشاكل والمَخاطر وذلك مِن خلال تأثيرها السلبي في حياة الأبناء فيتوسّع هذا التأثير ويخرج مِن نِطاق المنزل إلى المجتمع فتصبح ظاهرة تتوسط المجتمعات.
فهذه الفجوة التي نراها بأنّها تبدو صغيرة ولا نُلقي لها بالاً هي مِن أخطر المَخاطر والظواهر التي تصيب المجتمعات، فهي أشبه بحال مَرمى أُضيعَت الكُرة منه لتسلك طريقاً غير طريقها، فإنْ تُركتْ هذه الفجوة تسكن وتسيطر على الأبناء فسيصبح الأبناء بعد ذلك متعصّبين في آرائهم لا يهَبون الفرصة لأحدٍ للحديث معهم.
في هذه النقاط التي تبدو لنا غير مهمة ولا يسلّط عليها ضوء الاهتمام، تقود الأبناء للانعزال وعدم الرغبة في تقبّل الآخَرين ومِن ثمّ يَنتج عن ذلك عدم المُبالاة حتى تقودهم إلى ارتكاب الجرائم والقضايا بسبب شعورهم بعدم الانتماء إلى المَوطن الذي يحتويهم ويشاركهم أفكارهم ويفهم مُتطلباتهم وأقصد بالوطن: الآباء.
عدم التوافق بين الآباء و الأبناء يعود إلى اختلاف معطيات كل جيل عن الآخَر، فاختلاف مُجريات الحياة يؤدّي إلى عدم تفهُّم الطَرفين لبعضهما وخصوصاً بأنّ الآباء عاشوا حياةً بسيطةً تسودها البساطة، تلك الحياة التي تختلف تمامًا عمّا هي عليه الآن مِن تطور.
يتجسّد الاختلاف في عدة مواقف منها:
عدم وجود تقارُب وتلاحُم بين الآباء والأبناء، فنجد كثيراً من الأبناء لا يصارحوا آبائهم ولايحدثوهم عن مشاكلهم وذلك بسبب الخوف من الاعتراف، وهذا يحدث نتيجةً لاختلاف الأفكار بين الجيلين ولكنْ في الوقت نفسه يكون الأبناء بحاجةٍ إلى مَن يفهمهم ويوجّههم بالطريقة الصحيحة التي تجعلهم يفهمون طبيعة الأمر ومخاطره، أيضًا للاختلافات العُمرية والفكرية دَور كبير في وجود هذه الفجوة بين الآباء وأبنائهم.
من زاويةٍ أُخرى، كثيراً ما نُلاحظ بأنّ الآباء مُتحفّظين بأفكارهم وذلك يؤدي إلى إجبار أبنائهم للانحياز لتلك الأفكار والتقيّد بها.
ولا يخفى علينا أنّ هذه الفجوة موجودة منذ بداية خَلق الإنسان والعيش على هذه الأرض، وتزامنتْ مع كلّ الأجيال مُنذ القِدم، ولكنها لمْ تكنْ معروفة، ويعود ذلك لعدم وجود التطور والارتقاء الذي نعيشه حاليًا، فقد أصبحتْ أكثر وضوحاً الآن في هذا العصر وذلك بسبب النّقلة الكبيرة في التطور الذي نشهده مِن خِلال وسائل التكنولوجيا والتطور الفكري وتطور أساليب الحياة وغيرها.
أوَجّه هنا رسالتي الأخيرة لكم وأوَضّح أنّ الاختلاف بين الناس والشعوب سِمةٌ خصّها الله سبحانه وتعالى بين الناس كافّة فعلينا أنْ نأخذ مِن جيل آبائنا ما يلزم مع مُواكبة ما يتماشى مع مُجريات العصر دون المساس فيما وضعته العقيدة الإسلامية، وكذلك أخصُّ حديثي هنا إلى الآباء، أنتم أيها الجيل الذي صعدنا بِكُم، أنا أعي حِرصكم وخوفكم علينا لاسِيّما وأنّ التطور أصبح يشعّ نوره في كل منزل، لكنْ في نهاية المطاف يجب أنْ تهتموا بمتابعة تطورات هذا الجيل و تُشعروهم بمدى أهمية ذلك ولا تخالفوهم في تطلعاتهم وميولهم بلْ عليكم توجيههم بالطريقة الصحيحة التي تجعلهم يدركوا أهمية الأمر.
والنقطة الأهمّ في ذلك هي أنه يجب عليكم أنْ تحرصوا على تمسكهم بالعادات والتقاليد في حدود العقيدة الإسلامية أي بأنّ هذا التطور لا يخالف شريعتنا الإسلامية.
ما علينا فهمه هو أنّ هذا الجيل هو جيل متطور و مَرن قابل للتغيير بسرعة، الجيل الذي سيَبني ويؤسّس أمّةً على نهجٍ واضحٍ ومتطور.