كفانا بطولات واهية
راشد بن حميد الراشدي
إعلامي وعضو مجلس إدارة
جمعية الصحفيين العمانية
———————————
أطول طريق، أطول سجّادة، أطول طبق طعام، أطوَل ناطحة سحاب، أكبر دشّ ماء، وغيرها ممّا تسعى له بعض الدّول العربية لإظهاره للعالم بما وصَلْنا إليه مِن تقدُّمٍ وازدهارٍ في مُختَلَف العلوم التي يغبِطنا عليها الجميع حتى صِرنا مِن شِدّة التقدّم نُطعم الإبل والبهائم نقوداً ونفتخِر بتصوير مشاهدها للعالَم لِيَرى إلى أين وصَل تَقدّمنا التكنولوجي والعِلمي والاختراعات المجنونة التي نُسابِق بها الزمن والبشرية .
حسافة على أمّةٍ بلغتْ جهالتها حَضيض الحياة البائسة في أمجادٍ يخزى الإنسان مِن ذِكرها .
حسافة على أمّةٍ لا تصنع لقمة عيشها تتباهى بتوافه الأمور وتسعى لها مُعتبرةً نفسها الأولى عالمياً في النجاحات المتميزة العظيمة.
التقدّم لا يُقاس بتسجيل تفاهاتٍ في موسوعة (جينيس) التي تأخذ الغثّ والسَمين في دفاترها.
مُجتمعاتنا العربية وخاصةً الخليجية أصبحتْ سلّةً للمُستهلَكات البشرية في العالَم، ونتجَ عنه ذلك الفِكر العقيم الخالي مِن كلّ إبداع أو تقدّم علمي أو تكنولوجي.
مَلَكنا المال والعُقول والنوابِغ ولكنْ دمّرناها بجَهلنا فأصبح الجُهّال همْ قُدوة المجتمع ونماذج تَقدّمهِ وعُلوّه .
العُلَماء والمفكّرون والمبتَكرون لا يعرفهم أحد في مجتمعاتنا العربية، فهاجرت العقول وهاجر المال إلى مَلذّات وترف الدنيا الفانية حتى أصبحنا أُلعوبة بجهالتنا وسوء تدبيرنا للأمور.
نريد مُخترعات وأفكار وابتكارات وعلوم وثقافة نتباهى بها ويعرفنا بها العالَم أجمع، وتُسجّل بأسماء دُوَلنا وعلمائنا وأبطالنا .
أمّا ما يسعى له البعض مِن مجدٍ مُصَنّع ومستورد ثم؟ ننسبه لنا فذلك ليس مجدنا ولا بنات أفكارنا.
تابعتُ مشاهد كثيرة بكيتُ عليها كثيراً، فنحن مجتمعٌ فاشلٌ إذا استمرّ الفِكر بما نراه مِن تفاخُرٍ في كماليات ومَلذّات الحياة دون بناء الذّات والوطن.
قصة جميلة عايَشتها في أحد البلدان الأوروبية ونحن ننتظر وصول رئيس الجامعة إلى مكتبه، توقّعْنا أنه سيأتي بسيارةٍ فارهةٍ ومعه مكتبٌ ضخمٌ وغيرها مِن أُطُر ومستلزمات الحياة المُترَفة التي نعيشها حتى فوجئنا به وهو في عُمرٍ كبيرٍ يقود درّاجته الهوائية ويوقفها في مواقف الجامعة. صعدنا مَعه لمكتبه فإذا به مكتبٌ بسيطٌ والملفات والكتب والمُجلدات قد ملأتْ جدرانه، فهي ديكور المكان حيث تبادر لي ذلك السؤال:
أنتَ تأتي بدراجة هوائية إلى الجامعة أليس لديك سيارة !!!!!!!
قال: ليس لي حاجة للسيارة وليس لديّ سيارة أصلاً فأنا أقضي جميع مُتطلباتي اليومية بالدراجة وا٥ذا عزمتُ التنقُّل بعيداً فبالمواصلات العامّة (باص -قطار – مترو – طائرة) وأحياناً بسيارة أجرة.
هكذا تربّوا هم، فقط ما يحتاجه يقتنيه وإلا فلا حاجة له ا٥لى حياةٍ فارغة.
الفَرقعات الوهمية في سفاسف الأمور أرهقتْ دُوَلنا التي تسعى لِلّحاق بقطار التطور والتقدم والتي من منظوري أراها في العربة الأخيرة من ذلك القطار ونحن ما زلنا لمْ نبرحْ مكاننا منذ زمنٍ بعيد.
اليوم أقول كفانا بطولات وهمية ولنُبصر ما أبصره الآخَرون مِن فِكرٍ وعلومٍ قادتْهم إلى مرابع التقدم والازدهار لبُلدانهم، ولنُشجّع الابتكار والإبداع والفِكر لنرتقي ولنفاخِر العالَم ونسجّل مُخترعاتنا ومشاريعنا في المَوسوعات العالَمية هناك سيكون الفخر كبيراً والفَلَاح عظيماً والمجد لأوطاننا يُشار إليه بالبَنان.
فكفانا إزدراءً للعقول في فكرٍ عقيمٍ يقول بأننا نملِك أكبر صحن سَلَطة في العالم أجمع.