2024
Adsense
مقالات صحفية

حقوقٌ في مَهبّ الرّيح

بدرية بنت حمد السيابية

إذا تحدّثنا عن الحقوق، لَرُبما البعض سيَذهب فِكره إلى المال فقط، ولكن هناك حقوق أعمق مُن مجرّد اسم فقط يُقال، حقوق الجار، حقوق المرأة، حقوق الوالدين، حقوق الأبناء، حقوق العامل وغيرها من الحقوق بمُسمياتٍ مختلفة، وكلّ حق له معنىً خاصّ به، وتعبيرات وتفسيرات وَردتْ في كثيرٍ من الكتب والمقالات.
لا شكّ بأنّ هناك مَن له مُيول وأُمنيات وأحلام وحقوق، ولكن يجب الإدراك والوعي بأنْ لانبني سعادتنا وتحقيق أحلامنا على حساب الآخرين، فتجد البعض وللأسف الشديد مَن يسلب الحقوق ببرودة أعصاب، بدون تعب ولا كَلَل، حتى في أبسط الأشياء هناك أمثلة كثيرة في الحياة وواقع ملموس للأسف.

كشخص تأخّر عن دوامه في الوقت المناسب لسببٍ ما، فتجده يزيد مِن سُرعته في قيادة السيارة، للوصول في الوقت المحدد، ولكنّه لم يفكر بأنّ تصرفه هذا، قد يُسبّب كارثة لنفسه أولاً، ثمّ للآخَرين، بوقوع حادث تصادم، أو لربما يدهس شخصاً مارّاً، وهذا ليس مِن حقّه، فأرواح الناس غالية، ولا يجب الاستهانة بهذه الأمور.
أنتَ تأخّرتَ على عملك  فإذن أنتَ تتحمّل مسؤولية إهمالك.

هناك مَن ينتظر دَوره لإنهاء معاملته في أمر ما في مؤسسة عامّة، فيجلس لساعاتٍ طويلةٍ بانتظار ساعة الفرج، ولكن قد يأتي شخص آخَر بدقائق فقط، فيُنهي معاملته بأسرع ما يمكن ببساطة، فبعض المراجعين مَن تربطه صِلة قرابة مِن الدرجة الأولى مع الموظف ،وقد يتناول القهوة ويتبادل أطراف الحديث لساعات، متجاهلاً وجود مراجعين آخَرين ينتظرون في الخارج.
وفي الحقيقة هناك أمثلة كثيرة، على تجاهُل حقوق الآخَرين، وهذا ليس بطيّب، فقد حثّنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على الصدق والوفاء في العمل بخالص النية، (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا)- [الأحزاب: 23، 24].

في الحقيقة كنتُ موجودةً في أحد الدوائر الرسمية في البلد، وإذْ بالهاتف يرنّ ويرنّ، والغريب في الأمر أنّ الموظف يسمع الرنين عدّة مرات، ولمْ يرفع سماعة الهاتف، وحتى تلك اللحظة لم أجِد أيّ مبرّر لعدم الردّ، فقلتُ في نفسي: لمَ هذا الصمت، ولمَ لا يرفع سماعة الهاتف، لربما هناك أمرٌ ضروري، وكان الفضول يتسلّل لفكري، وسألته: لماذا لا ترفع سماعة الهاتف؟ فرد بجفاء: أزعجوني بكثرة الاتصالات.
إذا كان المتصل لا يحتاج للاتصال إليكم فلنْ يتصل، المعاملة الطيبة والأسلوب الراقي مطلوب، حتى تكسب قلوباً تدعو لكَ بالخير.
لا تطلب سرعة العمل بل إجادته، لأنّ الناس لا يسألوك كمْ استهلكتَ من الوقت لتنتهي منه، بلْ ينظرون إلى إتقانه وجودة صُنعه.
ليس الإحسان غذاءً ولا شراباً ولا كِساءً، بلْ هو مشاركة الناس في آلامهم.

مِن الملاحَظ أنّ ثمّة فئة ما زالتْ مستمرة في التمادي وعدم الاعتراف بالحقّ الإنساني للآخَرين ،ولا يجب علينا التعالي والتباهي بمظاهرنا، فكلّنا سواسية أمام رب العِباد، والتواضع يزيد مِن رقيّ النفس الإنسانية في التعامُل، وكلّ سيأخذ حقّهُ ولو بعدَ حِين، ولن يُظلم أحد، وإذا كنتَ مسؤولاً عَن عملكَ أمام الله،فعليكَ أنْ تُتقن عملكَ بكلّ رحابة صَدر، وخالِص النيّة، ولا تميّز هذا عن ذاك، لنَعمل بضميرٍ ومحبة، فكُلّنا مسؤولين أمام الله.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights