بعض المجالس فقَدتْ مكانَتها
يعقوب بن حميد المقبالي
دعُونا نتطرّق للحديث حَول مَكانة المَجالس التي كانت تُعتبر البيت الأول لأُولَئِك الرجال الذين مَضوا ومضى الزمان معهم، كان المَجلس دار الحكمة وإنْ قُلت إنّه يُعتبر مدرسة فيها جميع التخصصات فلا أبالغ فيه. كانت المجالس تُعتبر منبرًا للحكمة ودارًا للصُلح والمصالحة، ومنها ينطلق الحُكم ومنها تُتَرجم أقوال الله تعالى لعباده في القول والفِعل والنُّصح والرُّشد، وكانوا كأنهم رَجُلًا واحدًا لا يهمهم ما يهمنا نحن في هذه الأيام.
فكانتْ تلك المجالس يتدارسون فيها أحوالهم ويأخذون بِيَد الظالم والمظلوم، كما أنّ كانوا يتدارسون فيها الأنساب حيث كان الناس يعرفون أنسابهم ويعرفون مَن هم أقاربهم في ذلك النسب.
المجالس لا تخلوا مِن جَلسات الذِّكر فهم يتدارسون دِينهم وأحكامه والسيرة المحمدية ويعرجون إلى أولئك الأبطال الذين تربّوا في مدرسة النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، والخلفاء الراشدين والتابعين لهم، ويترقّون بحديثهم إلى مشايخهم العلماء الذين حملوا راية العِلم وكرّسوا أنفسهم لنشر تعاليم الله تعالى وسُنن نبينا عليه الصلاة والسلام.
كما إنّ تلك المجالس كانت لا تخلوا من المُجادَلة في الشِّعر بجميع أبوابه وهناك تُصاغ الأبيات وهناك يتعلم من ليس له باعٌ في تلك العلوم الشِّعرية.
وأيضاً، يتدارسون أحوالهم الشخصية، وشؤون بلادهم، هذا له شأن آخَر بين جَنباتهم كلٌّ يأتي بما لديه مِن أفكارٍ ومقترحاتٍ ويتّفقون على رأي رجلٍ واحدٍ منهم.
وإذا قُلنا أنّ المجالس تُربّي الأبطال وخِيرة الناس نعم؛ هُنا ترى الطفل منذ صِغره وهو لا يفارق ذلك المجلس، تَراه في خدمة المجلس ومنهم مَن يستمع ويتعلم وتَكبر لديه الذاكرة بما يُدار في تلك المجالس مِن إستقبال الضيف وإكرمه ومِن مُعاملتهم لبعضهم البعض ومِن تَدارُس ما يدور في ذلك المجلس كالتعليم والإصلاح بينهم وتدارُس مفاهيم المشايخ والعلماء وغيرها مما يدور في أروقة المجلس، فترى الطفل يكبر وهو يتسلّح وتكبر لديه تلك المفاهيم الرجولية التي تَربّى عليها في المجلس منذ نعومة أظفاره .. أما في وقتنا الحاضر فقد جُعلت المجالس لإقامة المناسبات كالأعراس وعقد القِران وإقامة العزاء، أو تقديم الولائم.
كما نُلاحظ أنّ الحديث في المجالس اختلف عن أنماطه السابقة والتي تمّ سردها لكم في الفقرات السابقة، فاليوم أخذ الحديث في المجالس منحًى آخَر وهو كثرة الكلام فيه عن التجارة وخصوصًا تجارة العقارات وغيرها من التجارات التي لا نستطيع الخوض فيها في مُستهلّ هذا المقال.