الباحثون عن عمل.،،، والأمل المنتظر
هلال بن حميد المقبالي
الباحثون عن عمل أو ما تسمى في بعض الأنظمة (البطالة)، مشكلة تؤرق جميع المجتمعات الدولية الغنية والفقيرة؛ لأنها تطيح بطموح الشباب وهممهم، وثراء المجتمعات ونماءها ، فالشباب الباحثين عن عمل هم الثروة الحقيقية للمجتمعات، و بالأخص المتعلمين منهم، وأصحاب الشهادات العليا، إذا تم الاهتمام بهم، و الوقوف معهم، وتوفير العمل المناسب لهم وإعطائهم فرصة للتنمية والرقي بمجتمعهم، والنهوض به نحو آفاق أوسع ومنجزات أرحب .
الباحثون عن عمل ظاهرة مجتمعية عالمية، تمثل تهديداً واضحاً ، للأمن الوطني ، إذا دخلت ضمنها أجندة خارجية تؤجج الوضع الهستيري لهذه الفئة من الشباب، مما يؤثر ذلك على الاستقرار السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي في المجتمع، مما يؤدي الى زعزعة الاستقرار الأمني، المطلب الأساسي للاستثمار والنماء الاقتصادي .
عَرَفتْ منظمة العمل الدولية الباحثون عن عمل بأنهم “أشخاص قادرون على العمل، و يبحثون عنه للحصول على أجر، لكن بدون جدوى”. و تعد ظاهرة الباحثين عن عمل في السلطنة مشكلة تؤرق المواطن والحكومة، في آن واحد، وتبعث القلق مع التداعيات الأخيرة ، وظهور الأزمات الاقتصادية العالمية من انخفاض في أسعار النفط، وقلة الإيرادات المالية الغير نفطية، شكلت على السلطنة عبئًا إضافياً للإيرادات المالية، سواءً في القطاع العام أو الخاص، وما نلاحظه من تسريح الشركات لبعض العاملين في القطاع الخاص بدلا من التعيين، السبب الأول في انخفاض هذه الإيرادات وتوقف بعض المشاريع، و بالتالي يؤثر ذلك على تقليص الوظائف بدلا من خلق وظائف جديدة، وقد أكد أحد الأكاديميين الاقتصاديين العمانيين، أن مشكلة الباحثين عن عمل في السلطنة تكمن في “إدمان الاقتصاد العماني على العمالة الوافدة الرخيصة والكادحة.، فلا القطاع الخاص يستطيع دفع رواتب مجزية للمواطن في ظل توفر العمالة الوافدة الرخيصة، ولا المواطن يرضى برواتب متدنية مع ارتفاع أسعار المنتجات والخدمات”، ولكن هناك أسباب أخرى تؤدي إلى تراكم مشكلة الباحثين عن عمل ، ومن هذه الأسباب نذكر..
1. التطور التكنولوجي. أدى إلى الاعتماد على الآلات بشكل كبير و تقليص العمالة البشرية. حيث اقتصر دور العنصر البشري على الإشراف وتوجيه عمل الآلات فقط.
2. النمو السكاني. يؤدي إلى وجود فائض في القوة العمالة عن حاجة العمل مما يرفع معدلات الباحثين عن عمل.
3. تقليل الإنفاق الحكومي. يؤدي إلى توقف بعض المشاريع بسبب الأزمات الاقتصادية، مؤدياً إلى تسريح العمالة العاملة ، وتقليل فرص العمل.
4. التعليم وطبيعته التخصصية. يؤدي التركيز على تخصصات تعليمية معينة، إلى ارتفاع نسب الباحثين عن عمل في بعض المجالات مقابل نقص كوادر في مجالات أخرى.
5. المحسوبية والمساعدة. تؤدي إلى تعيين شخص في غير محله وحرمان شخص آخر أكثر كفاءةً، وأفضل أداءً.
6. جلب عمالة وافدة بأجور منخفضة، ومنها تحايل بعض الشركات باستخراج عقود عمل لعمالة وافدة لمهن متدنية، وتعمل بمهن عليا، وهذا يعد تحدياً كبيراً في خلق وظائف للعمالة الوطنية في سوق العمل.
7. تدني الرواتب في بعض المهن بالقطاع الخاص ، وعدم توفر مميزات إضافية تغطي هذا النقص، مما يؤدي إلى عزوف الشباب عن شغل هذه المهن.
فهل سنرى في قادم الأيام حلولاً سحرية تسيطر على هذه الأسباب، و تفتح الأمل للباحثين عن عمل؟.
سلطنة عُمان حالها كحال الدول الأخرى تعاني من ظاهرة زيادة نسب الباحثين عن عمل، رغم قلة عدد السكان، ولكنها تظل مشكلة في الوضع الراهن، وحاجة الشباب للعمل، وإظهار قدراتهم ومواهبهم حق مشروع لا بد أن يحظون بالفرصة للظهور بمستواهم العلمي و الفكري، و المساهمة في بناء المجتمع، تواصلا مع من سبقهم ، والاستمرارية المثلى لعجلة التنمية والبناء، فتوظيف شخص واحد يتبعه آثار اجتماعية إيجابية، عدة منها..
1. الزواج وتكوين أسرة، وهذا يسهم أيضا في حل مشكلة إجتماعية وهي العنوسة.
2. بناء منزل ، وبذلك يسهم في زيادة دخل الخدمات المقدمة من الحكومة، وتحريك سوق العقار، و استمرارية البناء والتشييد
3. الاستقرار العائلي. و ينتج عنه تنشئة جيل متعلم مستقر نفسياً، سيساهم مستقبلاً في بناء المجتمع.
4. انخفاض معدل الجريمة، كالسرقة والتخريب وغيرها، مما يؤدي ذلك إلى الاستقرار الأمني في المجتمع.
الكل يعلم أن انتظارنا لساعات بسيطة لتخليص معاملة ما يصيبنا بالملل، ونزعج من هذا التأخر فقط لمجرد ساعات ، فما بالكم فيمن ينتظر سنوات من أجل وظيفة ما يتمناها منذ تخرجه أو قبل ذلك ، محملاً ذلك التأخير أسرته فوق طاقتها ضاغطا عليها بتوفير مصروفه واحتياجاته الشخصية، وإذا لم تتمكن الأسرة من توفير مستلزماته مع طول مدة الانتظار، فقد يؤدي ذلك لمشكلة اجتماعية أخرى، قد تدفع الباحثين عن عمل للبحث عن وسائل بديلة لتأمين احتياجاتهم الأساسية، وترميهم في براثن الجريمة، كالسرقة، أو الإتجار بالمحرمات، أو الانضمام إلى منظمات إجرامية أو سياسية تمس الركن الأمني للوطن ومواطنيه. فالنسب المرتفعة للباحثين عن عمل (البطالة) تسبب عادة نمواً في عالم الجريمة. وهذا في المقابل يتبعها آثاراً سلبية على المجتمع عكس الآثار الإيجابية التي ذكرتها سابقاً.
تعد ظاهرة الباحثين عن عمل إحدى التحديات التي تواجهها الحكومة الجديدة والتي بدأت في وضع الحلول المناسبة للحد من تراكم نسب عدد الباحثين عن عمل مع تزايد النمو السكاني وزيادة نسب مخرجات التعليم العالي.. فمشكلة الباحثين عن عمل لا تحل بالتخدير الموضعي، والوعود المتكررة، وإنما بتعديل جوهري بالتشريعات لتضمن أحقية المواطن بالتوظيف، ولن يتحقق ذلك إلا بقانون التعمين الحازم لبعض الوظائف المناسبة للعمانيين، في القطاع الخاص، والتخلص من التبعية على حساب المواطنة، وفي هذا الجانب عملت الحكومة الحالية جاهدة في وضع عدة إجراءات وحلول إدارية للحيلولة دون زيادة نسبة الباحثين عن عمل في السلطنة ، والتي تزيد مع زيادة مخرجات مؤسسات التعليم الأساسي، والتعليم العالي ومن هذه الحلول و الإجراءات، التي أوجدتها الحكومة …
1. التقاعد الإلزامي لمن أكمل ثلاثين عاماً في العمل الحكومي، لخلق وظائف، و فتح مجالات أوسع للتوظيف.
2. إيقاف إصدار تصاريح العمل لبعض المهن التي باستطاعة المواطن أن يشغلها.
3 . دمج وزارتي الخدمة المدنية والقوى العاملة، وما رافقهما من هيئات ومؤسسات، تختص بالجانب التشغيلي والتوظيف، للإسهام في حل هذه الظاهرة، من خلال مركز موحد لبحث الحلول المتاحة لهذه المشكلة، ومحاولة حلحلتها، دون التضارب في الآراء.
4. منع المتقاعدين من الحكومة العمل في المؤسسات، والشركات والهيئات الحكومية.
وأتمنى أن يشمل ذلك شركات القطاع الخاص لخلق شواغر أكثر.
5 . إنشاء صندوق الأمان الوظيفي الذي يؤمّن رواتب للمسرحين من العمل، وكذلك سوف يخصص منه مبالغ للباحثين عن عمل كمعونة شهرية، للتخفيف على أسر هذه الفئة.
6. إنشاء وزارة تعنى بالشباب.. (وزارة الثقافة والشباب والرياضة)،للاهتمام بالشباب ودراسة ميولهم وتوجهاتهم، والنهوض بهم فكريا لبناء الوطن، فالشباب هم الثروة الحقيقية للمجتمع.
7. تشجيع الاستثمار ، من خلال تسهيل وسرعة الإجراءات المتبعة في الحصول على التصاريح اللازمه لذلك.
8. تحسين نظام التعليم التقني والعلوم التطبيقية (المهني) من خلال إنشاء جامعة التقنية والعلوم التطبيقية تظم تحت مظلتها كليات التقنية وكليات العلوم التطبيقية، والتي كانتا تحت مظلتين مختلفتين _ القوى العاملة(سابقاً) والتعليم العالي _ وهذا الدمج سيسهم في توحيد الرؤية التعليمية التخصصية والتي سترفد سوق العمل بتخصصات تسهم في مختلف المجالات، وجعل التعليم التقني متناسباً أكثر مع الوضع الاقتصادي الحالي للبلاد.
ولكن هل تكفي هذه الإجراءات بدون تعاون من شركات القطاع الخاص؟.
وهل تفي هذه الإجراءات بطموح المواطنين الباحثين عن عمل بدون وضع قوانيين وتشريعات تتناسب مع هذه التوجهات والمرحلة القادمة في هذا المجال؟.
لذا يجب أن تصاغ تشريعات وقوانين تلزم أصحاب العمل والشركات على توظيف العمالة الوطنية، وإعطائهم حقوقهم كاملة، و توفير لهم الأمان الوظيفي تحسباً لأي طارئ، والتقليل من استقدام العمالة الوافدة، كما يجب تفعيل نظام الزكاة الإلزامي للحسابات المالية، و أرباح الشركات، و التجار أصحاب رؤوس الأموال ، والمزارع الإنتاجية الخاصة وذلك لدعم صندوق الأمان الوظيفي، لكي يسهم في توفير مبلغ مالي للباحثين عن عمل شهرياً للتخفيف من عبء الأسرة، مما قد يخفض هذا الإنفاق من قلة التكوين الرأسمالي لهذا الصندوق، وكذلك أخذ ضرائب للأموال المحولة خارج البلد، و التزام التجار وأصحاب رؤوس الأموال العمانيين من استثمار أموالهم في البلد، مما يعود ذلك بالنفع للجميع.