عاملات المنازل
خميس بن محسن البادي
وأنا أشرع في كتابة هذا المقال تذكرت الحوار المؤرخ من الأسلاف والذي دار بين معن بن زائدة بعد تولّيه أمور الولاية على بغداد وأحد الأعراب الذي راهن جماعةً له على إغضاب ذلك الوالي لما عُرف عنه سعة البال والحُلُم، فبدأ الإعرابي في بداية الحديث بينهما بقوله (أتذكر إذ لحافك جلد شاة
وإذ نعلاك من جلد البعير) إلى نهاية الحوار، ربما عيّره بذلك لما كان عليه من البؤس والفاقة قبل تنصيبه والياً نتيجة اختفائه في البادية لمدة من الزمن، وأراد الإعرابي بذلك أن يثير حفيظته فلم يفلح فيما سعى إليه وخسر الرهان..
أيضاً فقد ذاق آباءنا وأجدادنا الكثير من ذلك البؤس وشظف العيش وقسوة الحياة، قبل الطفرة النفطية والنمو الاقتصادي في المنطقة بما صاحب ذلك من الراحة البدنية والمدنية التي نحن عليها اليوم، فشتّان بين تلكم الحقبة الزمنية المنقضية وحاضرنا الذي نعيشه اليوم، حيث ونتيجة هذه البحبوحة من رغد العيش صرنا نعتمد على غيرنا في قضاء الكثير من شؤون حياتنا، ومع متطلبات الحياة من ضغوط وروتين العمل والواجبات الاجتماعية والظروف الصحية وغيرها، أضف إلى ذلك مساحات المنازل وتطوّرها وإيلائها أهمية من حيث العناية بها ونظافتها وتنظيم مرافقها بما بها من مقتنيات وأثاث، والمبالغة في إعداد وجبات الطعام كماً ونوعاً في الوجبة الواحدة وما يليها ويسبقها من المقرمشات والمقبلات وصنوف من الأشربة، وما يعتبره البعض أنه من قبيل (البرستيج والإتيكيت)- عساي كتبت الكلمتين صحيحتين- فقد أضحت بذلك الحاجة ملحّة إلى وجود مساعدة أو أكثر في منازلنا لمثل هذه الظروف، رغم إدراكنا جميعاً أن هذه الفئة من البشر قد لا تتوافق في الغالب مع طبيعتنا بأي حال من الأحوال لاعتبارات عدة منها، البيئة التي جاءت منها والثقافة الفكرية التي تنتهجها، والملة التي هي عليها والضغوط الاجتماعية التي تمر بها والظروف النفسية التي تعانيها والتي قد لا تتفق وتنسجم مع مجتمعنا المحافظ، لما لهذه الأمور المجتمعة في شخصها من عواقب غير محمودة على الأسرة والمجتمع والأطفال تحديداً، ومع علمنا بهذه السلبيات إلا أننا نسعى رغم ذلك جاهدين إلى الفوز بإحداهن من الأشخاص المصرح لهم بتوفير هذه الفئة كأيدي عاملة في بيوتنا مقابل مبالغ مالية تقارب الألف والثمانمائة ريال عماني لبعض الجنسيات وبضمان لا يتجاوز الستة أشهر، إذاً هذا هو ما نبحث عنه بجد واجتهاد وبالمال- إنهن عاملات المنازل-، ورغم ذلك نجد هذه وتلك فقط اللتان تتقيّدان بعقد العمل المقرر لسنتين، وتلك وهذه اللتان تجيدان الأعمال المنزلية واللتان قد تتأقلما مع ذلك بمرور الأيام، ولكن إن هي أخلّت بعقد العمل أو وجدت لنفسها طريقة للهرب من خدمة مخدومها الذي تكبد من المال والجهد الكثير حتى استقرت بمنزله وفق صحيح القانون، سيجد نفسه بعد بضعة أسابيع وقد خلى البيت منها، حيث يبدأ صاحب عملها في دوامة جديدة من الإجراءات بشأنها والبحث في الوقت عينه عن مساعدة أخرى عوضاً عن سابقتها، وما يلي ذلك من تكاليف مالية وإجراءات إدارية لتثبيت صحة إقامتها وعملها لديه، وهكذا دواليك إلى أن يوفقه الله تعالى بمن تتفق مع نمط عيشه وأسرته في بيته إن وُجِدت أو يرضى أقله بأدائها المتواضع ولو على مضض، طالما هي متقبلة العمل والإنصات للتعليمات والتوجيهات من أصحاب البيت.
إذاً هل ثمة ما يخفف من الأعباء عن المستهلك في الوقت الذي يمكنه فيه أن يستفيد من خدمة المساعدة المنزلية التي يطلبها؟ من وجهة نظر شخصية،، نعم..
إنه نظام الشركات لعله يكون أنجع الحلول في ذلك لمن يرغب بهذا الخيار من المستهلكين مع الإبقاء في ذات الوقت على النظام القائم كما هو، لتكون حرية الخيار متاحة للجميع من الناحيتين، حيث تتولى مكاتب استقدام الأيدي العاملة في المنازل منفردة أو متضامنة فيما بين عدداً منها بكل محافظات السلطنة، كما هو معمول به بشركات توفير عمالة التنظيف العامة للمباني وخدمة المكاتب في القطاعين العام والخاص، بحيث يتفق المستهلك مع الشركة طبقاً لعقد عمل موثق بينهما على توفير عاملة منزل له وفق عدد الأيام والعمل الذي يحتاج فيه وجود العاملة بمنزله والوقت الذي يطلب حضورها فيه، والمدة التي تقتضي وجودها على رأس العمل لديه في اليوم، مع بيان الأجر المالي والتغذية خلال فترة وجودها بالمنزل على رأس العمل، بحيث تنقلها ذهاباً و إياباً وسيطة النقل الخاصة بالشركة من وإلى المسكن المخصص لمجموعة العاملات من قبل الشركة إلى ومن المنزل الذي تعمل كل واحدة به طبقاً لعقد العمل المبرم، ليكون الحضور والإنصراف بناءً لعقد العمل المتفق عليه مع صاحب كل بيت بحسب وقت طلبه للعاملة وانصرافها، لأن ثمة من يريدها أن تقوم بكامل أعمال البيت بما في ذلك الطبخ ورعاية الأطفال، وهناك من يريدها لأعمال التنظيف والغسيل فقط، وثمة من يريدها للوقوف على شؤون العجزة في البيت، كما أيضاً من يحتاجها لفترة واحدة فقط من نهار كل يوم،، وبذلك يبقى المقترح كمطلب قائم يُنتظر تحقيقه من جهات الاختصاص على الواقع المُعاش بالتنسيق مع المعنيين في القطاع الأهلي، وذلك لما فيه من المصلحة العامة التي تخدم شريحة واسعة من مختلف فئات المجتمع وتحد من مشاكل هذه الفئة البشرية من عاملات المنازل التي يشترك في معاناتها1+3 (صاحب العلاقة/مكتب الاستقدام/وزارة العمل/ شرطة عمان السلطانية).