تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

حَكايا  – ويسئلونكَ عن التّطبيع

عصام الصولي

عندما هَبط وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في مطار الخرطوم الدولي الأسبوع الماضي في زيارةٍ هي الأُولى لمسؤولٍ أمريكي كبير منذ ما يَقرب مِن العقدين من الزمن؛ كان مِن أهمّ المَلفّات التي يتأبّطها الرَّجُل مَلفّ التطبيع مع إسرائيل كَشرطٍ لازمٍ لِرفع اسم السودان مِن قائمة الدّوَل الراعية للإرهاب، والذي هو بمثابة جَواز المرور لدخول السودان للنادي الأمريكي، وبالتالي ستفتح لهُ مَغاليق الصناديق المالية الدولية، حيث تلقّي المِنح والقروض والاندماج في المؤسسات المالية العالمية، وهو الشيء الذي أرّق كثيراً الحكومة الانتقالية في السودان التي جاءت في أعقاب ثورة 19 ديسمبر المجيدة والتي أطاحتْ بحُكم الرئيس المخلوع عمر البشير.
نعم ظلّتْ حكومة السيد حمدوك تَتَطلّع إلى دعم الأسرة الدولية ومساعدتها في الخروج من عُنق الزجاجة الذي أدخلت البلاد فيه حكومات الإنقاذ البائدة، والتي أورثت فترة الانتقال خزينةً خاويةً على عروشها واقتصاد منهار.
وبالفعل، استبشر السودانيون كثيراً بالاهتمام الكبير الذي أَبْدَتهُ حكومات العالم، والزيارات المُتتالية لكبار قادتها بدءاً مِن الرئيس الألماني مُروراً بوزراء كِبار مِن بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا، بِخلاف زيارات المحيط العربي وَكَيلهم المدح والثناء لثورة السودان.
بالرغم مِن ذلك إلا أنّ المُحصّلة النهائية صفر كبير، فخزائن حكومة الانتقال ما زالتْ تشكو لِطُوب الأرض المَسغَبة وسوء الحال، فلا مؤتمر شركاء السودان الذي عُقد في برلين وتنادتْ لهُ كُبريات دُوَل العالَم نفع، ولا مؤتمر الرياض شفع.
بلّ ظلّ الجنيه السوداني اليتيم يترنّح أمام الدولار ليصل هذه الأيام أرقاماً قياسية مع غلاء طاحن ومستويات مُزرية للتضخم.
في هذه الظروف بالغة التعقيد تهبط طائرة السيد بومبيو أرض السودان حاملة معها المنّ والسلوى لو وافق السودانيون علي التطبيع واللّحاق بالقطار بعد محطة الإمارات، وربما قبل وصوله محطة البحرين في قائمة طويلة بشّر بها نتنياهو.
وكما جاء في الأخبار فإنّ رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك اعتذر لضيفه الكبير بعدم استطاعة السودان تلبية الطلب الامريكي بالتطبيع؛ مبرراً ذلك بالقول إن سلطته الانتقالية غير مخوّل لها البتّ في أمرٍ كهذا وأمثاله من أمور مُهمّة مِن اختصاص حكومة منتخَبة.
هذا المُبرر وُصِف بالذكي مِن قِبل السيد حمدوك عندما وضع كل البيض في سلّة الحكومة المنتخبة حتى لا يبوء بإثم التطبيع الذي وجد رفضاً شعبياً واسعاً، وخرجت مساجد السودان في أكثر من جمعة استنكاراً وشجباً.
يقول حمدوك ذلك وهو نفسه ليس ضدّ التطبيع ربما لثقافته الغربية وعمله في المنظمة الدولية في أكثر من محطة قيادية في أفريقيا.
وعلى الرغم من أنّ شريك الانتقال الآخَر الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة في السودان كان قد التقى في عنتيبي بدولة يوغندا في أول ظهور علني لملف التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني بعد أنْ كان يُدار في الخَفاء هذا اللقاء الذي أحدث جدلاً واسعاً واتهامات بالخيانة وشجباً لهذه الخطوة من قِبل البرهان وإنكار المكوّن المدني في السلطة الانتقالية أخذه علماً مسبقاً بها، إلا أن الواضح للمراقبين أن خُطى السودان نحو تل أبيب هي مسألة وقت ليس إلا. ربما لأن رقبة حكومة السودان مربوطة بسلسلة أمريكية من طرفين طرف فيه العقوبات الأمريكية وآخر فيه المنّ والسلوى ومع دخول الإمارات في المشهد السوداني بقوة، وكذلك الرياض وشحنات الوقود العابرة للموانئ التي أرهقت فواتيرها الدولارية حكومة السيد حمدوك.
تُرى هل ستصمد الخرطوم طويلاً، أمْ أنّ العِناق والقُبلات ستتمدد من الخرطوم وحتى عاصمة الكيان الغاصِب.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights