2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

قُلوبٌ خَاويةٌ على عروشِها وعُقولٌ مُزدحمةٌ بأَوجَاعِها

د. رضية بنت سليمان الحبسية
Radhiyaalhabsi@gmail.com

يُعَدُّ الامتثال الاجتماعي Conformity أحد صور التأثير الاجتماعي أو النفوذ الاجتماعي، إذ يستجيب الفرد لسلوك مجموعة من الأشخاص، وقد ينتج عن تأثيرات خفية في اللاوعي، أو الضغط الاجتماعي المباشر. إذ يُعّرف بأنه تغيير الفرد لسلوكه وآرائه وقناعاته الشخصية ليوافق رأي الآخرين؛ رغبة منه في الانسجام معهم. من خلال تبنّي توجهات، اعتقادات، وسلوكيات متشابهة لنفس المجموعة. ويحدث هذا الميل للامتثال ضمن المجموعات الصغيرة أو المجتمع ككل.
يَستجيب الجميع إلى الامتثال الاجتماعي ولكن بدرجات متفاوتة، إذ يتفاعل الفرد مع المجتمع الذي ينتمي إليه بطريقته الخاصة. ويظهر هذا في اتباع المعايير الاجتماعية والأخلاقية التي تظهر في سلوكه وأفعاله، على الرغم من سعيه ليكون متفردًا. فالامتثال الاجتماعي هو أحد الحقائق التي لا يمكن تجاهلها، بصورتيه السلبية أو الإيجابية. وتتفاوت درجة تأثير المحيطين بشخصية الفرد بمدى قوة المؤثر وخصائص الفرد ذاته، ولكن من الأهمية بمكان أنْ يكون للفرد شخصيته التي تميزه وتعكس فكره وقناعاته، وألّا يكون إمَّعة. فما المقصود بمصطلح إمَّعة؟
معنى إمَّعة في اللغة: يُطلق لفظ الإمًّع أو الإمَّعة في اللغة على الإنسان الذي يَتبع الناس دون أن يكون له رأي، فيكون لسان مقاله لكل شخص يتبعه أنا معك، وقد زيدت التاء في كلمة إمَّعة لتكون دلالة على المبالغة في الإتِبَاع، والإمَّعة هو إنسان مُتردد لا يَثبت على شيء.
فمن الظواهر الاجتماعية السلبية التي لا يخلو منها أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية هي ظاهرة “الإمَّعة”. وقد تزايدت هذه الظاهرة بظهور وسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها السريع؛ لما لهذه الوسائل من ميزات تتمثل في سرعة نقل وتناقل الأفكار والترويج لها بين فئات المجتمع على اختلاف أعمارهم ونوعهم الاجتماعي. فيقع الشخص تحت مَظلة الآخرين يوجهونه كيفما يريدون، فيُقلِدهم فيما يَفعلون أو يَقولون، وبالتالي ذوبان شخصيته، وضياع هويته؛ بسبب الفراغ العقلي. وهنا نتساءل: لماذا نَمتثل لآراء، مواقف، سلوكيّات، ومعتقدات الآخرين دون تفكير، وإلى متى سنستمر في تغيير مفاهيمنا وآرائنا الشّخصيّة لتتوافق معهم؟

يُعاني كثير من الناس فراغًا عقليًا، فَغَدت عقولهم جوفاء، خاوية على عروشها (ساقطة على سُقوفها التي سَقطت). فيبدو الفرد سطحي التفكير، مضمحل الثقافة، يُقاتل لينتصر لفكرته ورأيه حتى وإنْ كان على غير صواب؛ نتيجة انعدام الثقة، وتبعيته للآخرين. وفي حقيقة الأمر إنّ صياغة تلك الشخصية تأتي نتيجة تنشئة اجتماعية وسياقات مجتمعية تنعكس سلبًا على السلوك، فلا يُرجى منها فائدة على الفرد أو على المجتمع. لقَوْله تَعَالَى: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّب كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا وَيَقُول يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِك بِرَبِّي أَحَدًا}،(سورة الكهف: الآية 42).

تقع مسؤولية تكوين شخصية الفرد وإبرازها على الفرد نفسه، فلا يكون نسخةً طبق الأصل من غيره قولًا وعملًا، فيُقلّد الآخرين سواء أكان صحيحًا أو خطأً دون تأمل أو تمحيص. فلكل فردٍ قدرات وإمكانات وخبرات قد لا تكون مع غيره، وعليه تنميتها وصقلها بالاستفادة مما يملك الآخرون، لا الانصهار في ذواتهم. وألّا يكون هدفًا من أهدافهم أو إمَّعَةً يتبع كلَّ ناعق، بل ينبغي أن يُكَوِّن شخصيته بمقتضى شريعة الله، وأنْ يوطِّن نفسه على الخير، فيُحسن في القول والعمل. فعن حذيفة رضي الله عنه – قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا).

ختامًا: كنْ نفسك ولا تكنْ غيرها. يقول ألبرت أينشتاين: “القليل من الناس قادرون على التعبير برباطة جأش عن آراء تختلف عن الأحكام المسبقة الصادرة من بيئتهم الاجتماعية، بينما معظم الناس عاجزون حتى عن تشكيل هذه الآراء”. لذا علينا ممارسة التأمل والتّفكر والتدّبر، فلا نكون ذوي قلوب خاوية على عروشها وعقول مزدحمة بأوجاعها. قال تَعَالَى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}، (سورة البقرة: الآية 269).

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights