بين الحقيقة والأوهام 1/3
يعقوب بن محمد بن غنيم الرحبي
في اللحظة التي تعكف فيها الأمم والشعوب على البحث العلمي لحل لغز حير العلماء ألا وهو سر الوجود، بينما في الجانب الآخر بمجتمعاتنا العربية لا يزال هناك ممن يؤمن ويعتقد بالحسد والعين والسحر والمس من الجان بأنه حقيقة ويسبب في غلق أبواب الرزق والضرر للأشخاص، نريد أن نسلط الضوء على هذه القضية بصورة مختصرة جداً، مما لا شك ولا ريب فيه بأن القرآن الكريم أشار إلى مسألة السحر في أكثر من موضع، ففي سورة البقرة قال تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} سورة البقرة (102)، أما حول وقوع السحر في عهد موسى عليه الصلاة والسلام، مع سحرة فرعون، ذكر الله هذه القصة أيضا في أكثر من موضع في القرآن الكريم، قام سحرة فرعون بجمع العصي والحبال وعلى أعين الناس وسحروا أعينهم حتى ظن الناس أن هذه العصي وهذه الحبال حيات، قال تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه، 66]، فلما ألقى موسى عصاه لقفتها وأخذتها كلها، وعرف الناس بطلان هذا السحر، وخر السحرة سجدًا لله وتابوا وأنابوا إلى الله، قال تعالى مخاطبًا موسى عليه السلام: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى } سورة طه:17-21، فعصا موسى هنا ليست مسألة سحر إنما مسألة آية ومعجزة، أما سحرة فرعون كانت حبالهم وعصيهم يخيل إلى موسى كأنها حيات تسعى، فهُم سحروا أعين الناس فقط حتى نبي الله موسى سحروا أعينه فكان يخيل إليه أنها حيات تسعى، قال الله تعالى: {قَالَ بَلْ أَلْقُوا ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ} طه الآية 66، وقال الله تعالى أيضًا: {قَالَ أَلْقُوا ۖ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} الأعراف الآية 116.
حدث هذا لأن السحرة أرادوا أن يتحدوا موسى ويكذبوا نبوءته، والله أراد للسحرة أن يصدقوا بنبوءة موسى ويؤمنوا ويكفروا بفرعون، ولذلك تحداهم بنفس العمل إنما عصا موسى لم تكن حية، هم يرونها وموسى كان يراها حية فأوجس في نفسه خيفة فقال الله له: {قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ} طه الآية21، أي ستعود كما كانت في نظرك، وعندما سئل مركز الإشعاع الإسلامي للدراسات والبحوث الإسلامية الذي يشرف عليه الشيخ صالح الكرباسي، هل اعترف القرآن الكريم بتأثير السحر تأثيرًا وراء مجاري الطبيعة حسبما يزعمه أهل السحر والنفاثات في العقد؟ أجاب قائلًا: ليس في القرآن ما يشير بذلك، سوى بيان وهن مقدرتهم، وفضح أساليبهم بأنها شعوذة وتخيلات مجردة لا واقعية لها، ويقول: بشأن سحرة فرعون {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه، 66]، فكان المشاهد يخيل إليه أن تلك الحبال والعصي تسعى، قال الطبرسي إنها لم تكن تسعى حقيقة إنما يخيل إلى من يراها، فالقرآن موافق للعقل فلا يمكن لحبال أو عصي أن تتحول إلى كائن حي لأن الكائن الحي له شروطه ومكوناته، هذه الأعمال هي ما تعرف اليوم بالأعمال السحرية التي تعرض على المسارح وتقام عليها أعمال سحرية تسحر أعين الناس، الناس ترى الأعمال التي تقام على المسرح أو السيرك بأنها أعمال خارقة للعادة ولكنها ليست كذلك فهي فقط خفة في الحركة وخدعة في الأداء، وليست حقيقة إنما يسحرون أعين الناس وإنها ليست خارقة للعادة، لكن الناس تراها هكذا، في الحقيقة هي تسحر أعينهم، هذا هو حقيقة السحر، أنت تراه خارق للعادة لكنه في الحقيقة الأمر عادي جدًا.
يتبع الجزء الثاني