‏ذِكر المعروف

بقلم : يعقوب الراشدي

الذِّكرى الطَّيبة صَدَقة جارية لِصاحبها فكثيرٌ هُم مَن يرحلون تارِكين بَصْمَتهم الجميلة في نُفوس أُناسٍ لْم يلتقوا بِهم سِوى مِن خِلال أفعالهم الطيبة مِن الإحسان إليهم وإلى وطنٍ كَبر على أكتافهم وبإخلاصهم وصَبرهم حَملوا هَمّه في قلوبهم وسَقوه بِعَرقهم، وَها هُمْ أُولاءِ يرحلون وكأننا نحنُ الذين نرحل، وكأنّي بقول الشاعر أبي الطيب المتنبي:
إذا تَرَحّلْتَ عن قَوْمٍ وَقَد قَدَرُوا
أنْ لا تُفارِقَهُمْ فالرّاحِلونَ هُمُ  هكذا تبقى سِيرة المَرء في هذه الحياة صَفحة كَتَبها بأخلاقه ومعاملته للناس وَلَو رَجعنا قليلاً إلى حالات تقاعُد الموظفين مِن شتّى الوظائف، سَنجد الكثير منهم مَن أثنى عليه الناس وذَكَروا سِيرتهم الطيبة، وهذا خُلقٌ نبيلٌ يُحسَب للذاكرين قبل المذكورين.
فذِكر المعروف أنْبل خُلقٍ يتحلّى به الإنسان، فما جزاء الإحسان إلا الإحسان، فقد قال الله تعالى (هَلۡ جَزَاۤءُ ٱلۡإِحۡسَـٰنِ إِلَّا ٱلۡإِحۡسَـٰنُ)
[سورة الرحمن 60] وقال تعالى :   (وَلَا تَنسَوُا۟ ٱلۡفَضۡلَ بَیۡنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرٌ)[سورة البقرة 237] (فَجَاۤءَتۡهُ إِحۡدَىٰهُمَا تَمۡشِی عَلَى ٱسۡتِحۡیَاۤءࣲ قَالَتۡ إِنَّ أَبِی یَدۡعُوكَ لِیَجۡزِیَكَ أَجۡرَ مَا سَقَیۡتَ لنا ).
فانظُر إلى النبي العظيم شعيب عليه الصلاة والسلام وابنته العفيفة لمْ يَنسَيا ذِكر المعروف الذي قدّمه لهما كَليم الله موسى عليهم سلام الله أجمعين [سورة القصص 25].
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنّ رجُلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ” يا رسولَ اللهِ كيف لي أنْ أعلمَ إذا أحسنتُ أو أسأتُ؟ قال إذا سَمعتَ جيرانَك يقولون قد أحسنتَ فقد أحسنتَ وإذا سمعتَهم يقولون قد أسأتَ فقد أسأتَ ” ‬وقال عليه الصلاة والسلام‮: «‬اشكُر لِمن أنعَم عليك،‮ ‬وأنْعِم على منْ شَكرك،‮ ‬فإنه لا زوال لنعمةٍ إذا شُكِرتْ،‮ ‬ولا دوامَ لها إذا كُفِرت‮ْ».
وقال بعضهم:
فكُن شـاكـراً للمُنعمـين لفضلهــم وأفْضِلْ عليهم إن قدرتَ وأنْعِم
ومن كان ذا شُكرٍ فأهلُ زيادةٍ
وأهلٌ لبذل العُرْف من كان يُنْعِم
وهذه هي أجَلّ الأخلاق التي يجب التمسُّك بها وتربية النّشء عليها.
وعكس خُلق ذِكر المعروف نُكرانه وهو أقبح خُلق يمكن أن يكون في الإنسان الذي أقلّ مِن أنْ يُقال عنه أنه خَسيس المنزلة. وهذا يستغرق أيضاً المذكورين إنْ هُم لمْ يسعَوا إلى ملء صفحتهم بالمعروف الذي همْ بحاجة إلى أن يذكُرهم الناس به بعد انتهاء مرحلةٍ من حياتهم لا يمكن أن تعود فيأسَفون عليها.