هل الحوارات المِهنية عملية مُستعصية؟
د. رضية بنت سليمان الحبسية
Radhiyaalhabsi@gmail.com
ينطلق الحوار مِن قاعدةٍ مَفادها الاعتراف بالاختلاف والتنوّع في الرؤى والاتجاهات، وبِحُرية التعبير عن تلك الرؤى.
ومَهمة الحوار مَدّ جُسور التعارُف وفق مبادئ التعايش والمواطنة المشتركة. حيثُ إنّ الحوار في رسالته يعمل على إرساء ثقافة احترام التعدُّد في وُجهات النظَر؛ لتحقيق السّلم وإقامة العلاقات الإيجابية بين البشر.
يعمل الأفراد في المؤسسات وِفق مزيجٍ من العلاقات المهنية، ولنجاح تلك العلاقات يتوجّب على الأفراد امتلاك مهاراتٍ أساسيةٍ في التعامُل مع الآخَرين، أهمها:
الحوار المِهني، كما يحتاج إلى التآلُف مع هذه العلاقات والقيام بعملية الاتصال المهني والتواصل معهم؛ مِن أجْل فعالية العملية المهنية وتحقيق الأهداف المهنية المشتركة.
ولبلوغ مَحامد الحوار المهني بين الموظفين والمسؤولين أو بين الموظفين أنفسهم، ينبغي أن تكون هناك مساحة واسعة لاكتشافِ النّقاط المشتركة بين المُتَحاورين وبَلوَرتها بعقليةٍ مَرنةٍ مُتفتحةٍ وفكرٍ راقٍ مُتّقِد، والتّحلي بروح النقد البنّاء للفكرة الخاطئة، وعدم رفض أي فكرة لمجرّد الرفض؛ للاستفادة منها بما لا يتعارض مع المصلحة العامة.
كما يجب على الفرد أن يُنمي ثقافة النقد والتأمُّل الذاتي، وأنْ يعتبر الرأي الشخصي قابلاً للخطأ كقابليته للصواب، ورأي الآخَر قابلًا للصواب قبل الخطأ.
حيثُ إنّ من أكثر المشكلات شيوعًا بين الناس عدم تَقبُّل النقد، أو اختلاف وجهات النظر الأُخرى.
ففي حالاتٍ كثيرةٍ بمُجرد ما أنْ تختلف مع أحدهم في الرأي تجد أنّ الخِلاف اتّخذ شكلًا آخَر وابتعد عن الموضوعية إلى الشخصنة، فلم يعد اختلافاً بين رأي ورأي، بل أصبح خلافًا واختلافًا بين شخصٍ وآخَر. ويتطوّر الموقف إلى حَدّ القطيعة والبغضاء (فإنْ لم تكنْ معي فأنتَ ضدّي).
إنّ الحوار المهني مَطلب مُلحّ وأساسٌ لنجاح العمل المهني.
وعليه، ينبغي نشْر ثقافة الحوار في المؤسسات المِهنية بأسلوبٍ راقٍ، والتدرب عليها حتى تصبح سلوكًا راسخًا، وأن تكون الحوارات والنقاشات موضوعية مبنيّة على الثقة والتعاطُف والاحترام، فبهذه المبادئ مِن شأن الفرد الارتقاء في حواراته مع الآخرين، وتحسين نظرته لنفسه ونظرة الآخرين له.
ختامًا: من أجل التعايُش السّلمي في بيئات العمل المهنية، ينبغي مراعاة مبدأ الحوار والمناقشات والتواصل المُثمر بالتي هي أحسَن، مع احترام الآخَرين وتقبّلهم وإنْ وجدت مساحات اختلاف.
حيثُ إنّ اختلاف وجهات النّظر يُتيح فرصة تناول الموضوع مَحلّ النقاش من زوايا مختلفة بما يُثري ويُجوّد الفكرة المطروحة (إنْ لم تكن معي فلا يعني أنك ضدي)، والاختلاف من السُّنن التي أرادها الله في كَونه لِخير البشرية، قال تعالى: ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ سورة هود: الآية 118)”.