2024
Adsense
مقالات صحفية

فن الترجمة سلاحٌ ذو حدين

حياة السعيدية

أستفتح المقال الآتي بإقتباس الجاحظ لقيمة الترجمة بقوله:
(ولا بد للترجمان من أن يكون بيانه في نفس الترجمة، في وزن علمه في نفس المعرفة، وينبغي أن يكون أعلم الناس باللغة المنقولة والمنقول إليها، حتى يكون فيهما سواء وغاية، ومتى وجدناه أيضا قد تكلم بلسانين، علمنا أنه قد أدخل الضيم عليهما؛ لأن كل واحدة من اللغتين تجذب الأخرى وتأخذ منها، وتعترض عليها، وكيف يكون تمكن اللسان منهما مجتمعين فيه، كتمكنه إذا انفرد بالواحدة، وإنما له قوة واحدة، فإن تكلم بلغة واحدة استفرغت تلك القوة عليهما، وكذلك إن تكلم بأكثر من لغتين، على حساب ذلك تكون الترجمة لجميع اللغات. وكلما كان الباب من العلم أعسر وأضيق، والعلماء به أقل، كان أشد على المترجم، وأجدر أن يخطئ فيه. ولن تجد البتة مترجما يفي بواحد من هؤلاء العلماء).
وعليه تتلخص أهم متطلبات الترجمة إلماما بالقواعد اللغوية ومدلولات التراكيب في اللغتين مع القدرة على إعادة الصياغة والتعبير للحفاظ على جوهر المعنى في النص الأصلي. ناهيك عن امتلاك العمق اللغوي وفَهم للمدلولات الثقافية والأمانة اللغوية، وهي ما أسميها بالدقة وتعدد مصادر البحث للتأكد من خلو النص من الشوائب والأخطاء على الصعيد الثقافي واللغوي. وبالرغم من المكانة العلمية الرفيعة لتخصص الترجمة منذ سالف الأزمان والدور المحوري في التواصل الحضاري والثقافي الذي يعتبر بمثابة حياةٍ مع العالم الآخر تظل الترجمة سلاح ذو حدين إذا أسئ استخدامها مما تترتب عليه نتائج هادمة لحضارات وعلوم وثقافات وشخوص.
يعتبر الفلكي الألماني جيوفاني رائداً لدراسة تضاريس وخصائص كوكب المريخ فهو من أوائل العلماء الفلكيين الذين لاحظوا التموجات الصخرية على الكوكب وقد وصفها حينها بالخنادق الصغيرة ولقد سجل تلك الملاحظة بلغته الأم (الألمانية).وكان ذلك الاكتشاف متزامنا مع افتتاح قناة السويد في مصر خلال ثمانيات القرن التاسع عشر. ولسوء الحظ ترجم اكتشاف جيوفاني من الخنادق بلغته الأم إلى القنوات الصخرية في اللغة الإنجليزية.
وهي الكارثة التي تبعتها العديد من الأحداث الغريبة والإنجازات العلمية في تلك الفترة. اعتقد الجميع بوجود الحياة على الكوكب الاحمر وبوجود العديد من قنوات السويس عليه التي بنتها المخلوقات المريخية بجبروتها وتقدمها .. مما دعى الفلكي لويل الى إنشاء مرصد فلكي في ولاية كاليفورنيا لمراقبة نشاط المخلوقات الفضائية والقنوات الصخرية على سطح الكوكب الأحمر. وكانت ثمرة الجهد المتواصل لخمسة عشر عاماً قد أدلت بوجود نظام الزراعة والري ووجود الصحاري على كوكب المريخ بالإضافة إلى تفاصيل الكوكب وتتبع المخلوقات الفضائية المزعوم وجودها . وقد سار الروائي ويلز على نفس النهج استكمالا لما وصل إليه جيوفاني و الذي توصل إلى أن المخلوقات المريخية سوف تشن حربا على سكان الأرض مما دعاه إلى تأليف كتاب يسمى حرب العوالم وهي من الروايات العالمية والتي تصدرت الكتب الأكثر مبيعا حينها ويتحدث فيه عن غزو المخلوقات الفضائية لكوكب الأرض وقد يبدو الأمر مضحكا حينها لكنه فاز بجائزة ابتكار الخيال العلمي لروايته. وفي عام 1938 دب ذعر كبير في شوارع نيويورك من نشرة الإذاعة للأخبار الطارئة بوجود المخلوقات المريخية على سطح الأرض مما أدى إلى انتشار الفوضى والذعر والخوف بين السكان وحينها أعلن المذيع بأنه قرأ صفحة من رواية حرب العوالم للكاتب لويل.
من هنا نستشف بأن خطأ في الترجمة قد تسبب في الفوضى وخداع عقول الناس بوجود حياة على المريخ، خطأ في ترجمة كلمة واحدة فقط. لكن الممتع في الأمر بأن مرصد لويل الذي عمل لمدة ١٥ عاما في الوهم قد اكتشف كوكب بلوتو وحلقة أورانس ووجود المياه على كوكب نيبرو .
نهايةً، إنَّ عملية الترجمة ليست نقلا للمفردات والتراكيب اللغوية فقط إنما نقلٌ للدلالات والأفكار. وهنا ينعكس مستوى الإدراك اللغوي والثقافي للمترجم.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights