“ليلٌ مُرتبك”
العنود الهنائية
كَم منَ السُّوء عليّ أنْ أقْتَني لأَخْرج على الرّوتِين اللّيْلِي الكَئِيب؟! فَـ فِي كلّ مرةٍ تَغْرب فيها الشّمس مُعْلنَةً عنْ مَوْلدِ ليْل جَدِيد يَمُوت جُزءٌ منّي، لمْ يتَبقّ منّي سُوى القَلِيل، حتّى الظُلمَة هذه اللّيْلَة تَخْتَلف على غيرِ العَادَة، فَـ هيَ شَديدة جدًا وكأنّها تقولُ لي سَأمَزّقُكِ لِـلحَدّ الذي تكُونِين فيه أنتِ والعَدَم سَوَاء.
وحَفيْف الشّجَر قدْ اشْتدّ فَـ كانَ أشْبَه بِـ نِزاعِ قَبِيلتي الأوْس والخَزْرَج، والغَرِيب منْ ذلك عَشَاء هذه اللّيْلَة كانَ يمضغني بَدَلًا منْ أنْ أمْضغه.
أمّا السّمَاء فَكانتْ كَأرْمَلةٍ بِـثَوْبها الأسْوَد، دمُوعهَا كانتْ عِبَارَة عنْ نَيَازكٍ مُلتهبة أينَ مَا حَلّت حلّ الدّمَار، الهُدُوء الصّاخِب يَجْتَاحُ مَنْزلنا، لا أحدَ يتكلم غَيْر الهَوَاء الذي كلّمَا التَطَم بوَجْهِي يَلْتَطِمُنِي شيءٌ منَ الخَوْف.
كنتُ كَالطّفل الثّرثَار الذي لا يسْكتُ، وَلكنّ القَلَق الذي يَسْكنني قدْ بَنَى نُفُوذَه على أكْتَافِي، فَـ زَادَنِي حِمْلًا فَوْق حِمْل الخَوف، لذَلكَ اعتدْتُ أنْ أَلجَأ للصّمْت وهَكَذا حتّى يَنتَهي اللّيْل.
فـ إلى أين ألقي بكاهلي هذا؟ وإلى أين أتجه؟ وهذا الغبار الذي على أكتافي من سينفضه؟ من سيعانق خوفي ويهدي من روعه؟ إلى أين أذهب، وهذا الكلام المخيف الذي بداخلي من سيخرجه ويحرقه؟ من سيغّني لأجفاني حتى ترقد بسلام؟ من سيقنع عقلي أن لا شيئا يحدث هنا؟ جراح قلبي من أين سآتي لها بالخيوط وكيف أنهي هذ الصراع الذي بين يدي ويدي الآخرى وهن يصفقن من شدة التوتر، قدماي المهتزان كيف سأوقفهما؟ وما بال الظلام الذي يقترب مني مسرعًا، إلى أين أهرب منه؟
يا رب فكّ قيد حيلتي وقوني وامددني بسلطان منك، يا رب إن هذا الضعف يهددني بالموت البطيء، يا رب إنني لا أخاف من الموت ولكنني أخاف من التواجد في حياة أنا فيها ميتة، أتحرك بجسد لا روح له، يا رب حررني وأفلتني منهم جميعا، فإن ذلك يخيفني بشدة.