العاطفة جرثومة السياسة
علي بن مبارك اليعربي
لو تطرقنا للمعنى اللغوي لكلمة السياسة لغةً بأنها معالجة الأمور وهي مأخوذة من الفعل ساسَ ويسوس وتعد مصدر فعالة أما اصطلاحاً فأنها تدل رعاية كافة شؤون الدولة الداخلية وشؤونها الخارجية وتعرف كذلك بأنها سياسة تقوم على توزيع النفوذ والقوة ضمن حدود مجتمع ما. وتعرف ايضا بأنها العلاقة بين الحكام والمحكومين في الدولة كما تعرف بأنها طرق وإجراءات مؤدية إلى اتخاذ قرارات وإجراءات من أجل المجتمعات والمجموعات البشرية.
والعاطفة لغة ميلٌ وشفقةٌ وحُنُوٌّ ورِقَّةٌ تنبع من الْقَرَابَة وَأَسْبَاب الْقَرَابَة والصلة من جِهَة الْوَلَاء والشفقة وفِي علم النَّفس هي الاستعداد النَفسِي ينْزع بِصَاحِبِهِ إِلَى الشُّعُور بانفعالات مُعينَة وَالْقِيَام بسلوك خَاص حِيَال فكرة أَو شَيْء معين كما أنها مجموعة المشاعر والأحاسيس الجسدية اما المعنى الاصطلاحي لها هي الوعي والإدراك و ردة فعل الشخص تجاه المواقف والأمور الحياتيّة التي يواجهها في يومه و تشمل الظواهر النفسية تجاه حدث معيّن يصاحبها عدد من الانفعالات المرئية والواضحة للآخرين أو تدفّق مفاجئ من المشاعر غير المرئية للآخرين. وهناك الكثير من أشكال العواطف والتي تؤثر على طريقة العيش والتفاعل مع الآخرين حيث إنّ جميع التصوّرات المتكوّنة لدى الأشخاص والخيارات أو القرارات التي يتّخذونها تتأثر بشكل كبير بالمشاعر والعواطف التي يحلونها لذلك فهي لا تتفق تمام مع السياسة وليس هذا وحسب بل وتتسبب في كثير من المشاكل وتحدث شروخ وتصدعات في فكر الساسة اذا ما امتزجت بالعاطفة مما يأثر ذلك على ما يصدره من قرارات وهذا واقع نعيشه خاصة في عالمنا المعاصر في ظل العولمة وما أحدثته من تطور في مجال الاتصالات وبروز الإنترنت أتاحت مجالات واسعة للتبادل المعرفي كما إن العولمة تدعو أساساً إلى نهاية سيادة الدولة والقضاء على الحدود الجغرافية واعتماد الديموقراطية كنظام سياسي عام للدول. مع أن واقع الحال بعيد كل البعد عما تنشده. فقد اختلط الحابل بالنابل كما يقال وأصبح الجميع يتحدث عن كل شيء ومتخصص في كل شيء لذلك أمسينا لا نعرف ولا نعي ولا ندرك أي شيء. حتى إن المسرح السياسي أقحمنا أنفسنا فيه ونسينا من يعملون خلف الكواليس والذين بكل تأكيد يدركون ويرون ما غاب عنا بحيث جرفته سيول العواطف المنهالة على نفوسنا نحن العمانيين بثائرة الدم العربي المسلم الغيور على قوميته ومقدساته المغتصبة وذلك حينما أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة الجارة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي نسينا أو تناسينا بأنها ذات سيادة لا يمكن للحكومة التدخل في قراراتها وأن هذا التطبيع سيصبح أمرا واقع لا يجب تغافله وليس من الحكمة التصدي لتيار قد يقتلع الثوابت التي انتهجتها عمان منذ تولى السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه الحيادية والتصالح مع الآخرين حتى يمكنها ذلك من حلحلت كل القضايا الموكلة إليها. كما أن علينا بأن لا نقلل من قدرة الآخرين على إدارة مصالحهم. ولا يعني تأييد حكومتنا الرشيدة من خلال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية بأنها تؤمن بالتطبيع بل لأنها تأمل أن تكون هذه الخطوة بداية سلام يكفل للشعب الفلسطيني قيام دولة مستقرة وآمنة. رغم إنني أخشى أن تكون عاطفة القربى ومبدأ حسن الجوار واتباع منهج الحيادية الذي طالما اتبع في فترات سابقة لتعاطي مع عدد من القضايا التي تهم منطقتنا العربية والإسلامية ابتعدت بساستنا للتخلي عن القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس والتي تقرها الشعوب العربية والإسلامية وترفض التطبيع إلا بالشروط آنفة الذكر.
خلاصة القول علينا دائما وابدا أن ندرك جميعا بأن السياسة والعاطفة لا يلتقيان أبدا وأن العاطفة هي جرثومة السياسة إذا تغلغلت فيها أفسدتها فهناك الكثير ممن يصطادون في الماء العكر ويتعاطون السياسة من باب مصالحهم الشخصية فالكتاب والقنوات المأجورة لا يمكننا للأسف تصديقهم وتلمس حقيقة ومواقفهم الغير معلنه وذلك لبعدنا عن المسرح السياسي وما يدور خلف كواليس. وعلى ساستنا أن يدركوا هذا الأمر ويبعدوا العاطفة عن السياسة رغم أن الكثير من المواقف يقرها الساسة ويرفضها المجتمع جملة وتفصيلا. تتضح لنا بعدها بأنه كان قرار صائب وشجاع. وكلنا يعلم ما حصل في صلح الحديبية وموقف الصحابة منه حيث كان ذلك الصلح ظاهره مجحف في حق المسلمين ومع ذلك وبنظرة ثاقبة من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وبوحي رباني وقعت تلك الاتفاقية. ولا يوجد وجه مقارنة بين الأمرين بكل تأكيد ولكن لتوضيح أمرا واحدا فقط ألا وهو بأن للأمر ساسة يقومون به نسأل الله العلي القدير أن يوفقهم الله لما يحب ويرضى ويهديهم إلى الصراط المستقيم. وأن نكون معهم لا عليهم ونأخذ بيدهم. مصداقا لقول رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم قال: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال: رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصره إذ كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟! قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره. أي(نأخذ بيده) صدق رسول ﷺ.
وفي قوله تعالى عز من قائل في سورة النساء وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) صدق الله العظيم