2024
Adsense
مقالات صحفية

متلازِمة التفكير في الرزق

د. علي زين العابدين الحسيني _ باحث وكاتب أزهري

يُصاب كثيرٌ من الناس بالتفكير دوماً في أمْر الرزق حتى فَشا هذا الأمر في مراحل عُمرية كان الأَولى بها أن تهتم بما في أيديها، وكأنّ الحياة كُلّها توقّفتْ على أمر الرّزق حتى أصبح طُموح الشابّ العربي التعلّم وأخْذ شهادة جامعية لا مِن حيث أنّه تعلم، بلْ وسيلة للعمل والمال.

سَيطر أمر الحصول على الوظيفة بعد التخرّج على الكثيرين، فأصبح التفكير فيها همّهم وفكرهم، ودائماً ما أصِفُ الوظيفة بأنّها كالعَدَسة المُكبّرة تعطي الأمور الصغيرة شيئاً كبيراً مع أنّ الرزق كُله أمرٌ هيّن؛ لأنه سبحانه الكريم هو المُتكفّل بأمره، وفي كرَمه سبحانه عونٌ لعباده، وفي رحمته مُتّسعٌ لهم.

ينبني على هذا الهمّ اختيارات تكون غير مناسبة، فيَعمد الشابّ إلى دراسة ما يجلِب له المال والرزق مستقبلاً دون النظر للعمل الذي يُحبه أو يستطيع أن يُثبت فيه نفسه، وكذا لا ينظر إلى سوق العمل في الواقع وما يحتاجه من مُتطلبات.

كذلك هناك فجوة هائلة بين الدراسة في الجامعات وبين مُتطلبات سوق العمل، فكثير من التخصصات التي يدرسها الطلاب ليس لها في الواقع أيّ وجود مِما يعني أنّه لا حاجة لها، كما أنّ أغلب هذه التخصصات لم يَجرِ عليها التطوير منذ زمنٍ بعيدٍ بما يناسب الواقع، فالواقع يتغيّر لكنّ التعليم بتخصصاته ثابتٌ.

مما يتّصل بأمر الرزق أنّ الشخص رُبما يفقد كثيراً من مبادئه في سبيل الحصول على وظيفة أو في سبيل البقاء عليها، فيَسكت أو يتغافل عن أمورٍ تُصادم أخلاقه وما تربّى عليه مُوهماً نفسه بأنّ هذا السُّكوت سيعصمه من الاستغناء عنه.

يَحرص الشخص على أمر رزقه، وهو أمرٌ مطلوبٌ إلا أنّ هذا الحِرص الزائد قد يوقعه في كثيرٍ من الأوقات إلى الرضا بشيء من الذُلّ ابتغاءَ المحافظة على عمله، وبذلك تحكّمت الوظيفة ومتطلباتها فيه تحكُّماً شديداً، وسيطرتْ عليه سيطرة أكيدة.

بسبب هذا التشبّث والحِرص الزائد الموصوف بأنّه في غير موضعه لا يستطيع الشخص إبداء رأي، أو نقد قَول، ويكون أشبه بالآلة التي يتحكم فيها ويسيطر عليها غيره، وإنْ تَشجّع وأبدى رأياً فهو في حدود المعهود، فلا يحاول أن يبدي رأياً مخالفاً أو يظنّ فيه نوع مخالفة.

كان الأستاذ عباس العقاد يؤمن بأنّ الوظيفة هي عُبودية القرن العشرين، وهو بذلك يعني أن العبودية الحقيقية انتهت من الوجود إلّا أنّ عبودية من نوع خاص انتشرتْ وذاعتْ بين الناس، وهي عبودية الوظيفة التي تجعل الإنسان عبداً لها، فهي التي تُحركه وتسيطر على أقواله وتتحكم في آرائه.

في النهاية، كُن مطمئنّ البال بأنّ الرزق كَتبه المَولى سبحانه لعبيده، وما عليك إلا السعي والأخذ بالأسباب، دون الفزَع والخوف من أمره، فكَم مِن أُناسٍ خرجوا من وظائف كبّلتهمْ سنوات عن النجاح والظهور والإنجاز وسُرعان ما رزقهم الله أبواباً كثيرة من الخيرات، فلا تَخَف أمر الرزق حتى لا يقع قلبك في أودية الذُلّ، وكُن عزيزاً تعِش وتمُت عزيزاً.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights