للقضية بقية – (الجزء الأخير)
بدرية بنت حمد السيابية
بعد رؤية “ليث” المنظر المفزع، تمنّى لو أنه لم يرجع للمكان،
“مهدي” :ماذا شاهدت يا”ليث”؟ أخبرني، لم أنت صامت هكذا ؟ ، بكى “ليث” بكاء شديدا، وكان يردد كلمة واحدة، لم أكن أقصد أن اصطدم به، لا أعلم كيف صار ذلك، وظل “ليث” يتحدث بخنقة عابرة عن حزن شديد، وها هو صديقه يُذكِّره بماضٍ أليم!
“مهدي” ماذا دهست يا “ليث”؟ أخبرني، ماذا شاهدت عند رجوعك لموقع الحادث،،،، “ليث” آه يا صديقي لو تعلم بماذا اصطدمت، لقد كان شابا في مقتبل العمر، فقد وجدته بين الأشجار مرميا، والدماء قد أخفت ملامح وجهه، فتجمدت في مكاني من الخوف، تمنيتُ لو كنتُ بدلا عنه، كيف سأتصرف؟
ماذا سأفعل ؟ حينها فكرتُ لو بلّغت الشرطة سأُسجن، وسينتهي مستقبلي، سحبته بكل قوتي، والتفتُ يمينا ويسارا فحملته ووضعته في صندوق سيارتي مسرعاً، الخوف والندم كادا يقتلانني، كيف أتصرف بجثة هذا الشاب ؟حل الليل، وصلت إلى مزرعة قريبة، فقلتُ سأدفنه في هذه المزرعة، فأخذتُ أحفر وأحفر والخوف كان يشتت فكري، ورميته قائلا له :سامحني لم أقصد أن أدهسك، وظل يبكي “ليث” بكاء أتعبه كثيرا،
ورجعتُ إلى المنزل متعبا، كانت ليلة سوداء مخيفة، فوجدتني زوجتي مستلقيا على كرسي، فقالت لي :ما بك يا “ليث” لماذا ملابسك متسخة هكذا، ولم أراك متعرقا؟ فقلت لها :لا شيء كنت مع الأصدقاء في إحدى المزارع، نتسامر.
صدقت زوجتي كلامي، وكنت من الداخل أتألم، وأتحسر، ماذا فعلت بنفسي، ماذا سيحدث بعد ذلك، كنت خائفاً مفزوعا، وكان “مهدي” ينصت لقصة صديقه “ليث” بصمت ودون مقاطعته، إلى أن قال له بعد صمت : أكمل ماذا حدث بعدها،،، “ليث” قائلا :بعد أسبوع سمعت في نشرة الأخبار عن غياب شاب اسمه “خالد” مع نشر صورة له، حاولت أن أُقنع نفسي بأن أُخبر الشرطة بمكان المتوفى، وأُسلم نفسي للسلطات.
ولكن كان هناك صوت آخر يتردد بداخلي، لا تُسلم نفسك للسلطات، وإلا ستُسجن، ومرت السنوات،والندم والحزن يرافقانني طوال خمس سنوات، فأنا مجرم وأستحقُ السجن، وندمت أشد الندم على فعلتي هذه، التي لا تغتفر، وأزهقت روحا بلا ذنب ، والآن أنا مستعد بأن أعترف أمام الله والناس عن جريمتي.
“مهدي” وهو حزين على قصة صديقه “ليث” قائلا :ما دام أنك ندمت وقررت الاعتراف بعد هذه السنوات، عندي سؤال لك، لماذا لم تعترف حينها، لكان القانون سيجري مجراه، ولربما لن تسجن حتى تبين الدلائل والحقيقة، كان “ليث” صامتا لا جواب لديه.
وصارت تساؤلات “مهدي” كثيرة، ولكن دون جدوى، وبدون جواب، وبعدها قال “ليث” أنا مستعد للاعتراف بجريمتي وأتمنى من الله أن يغفر لي وأنت كذلك يا صديقي، الصدف تجلب معها فتح ملفات الماضي ولعلها خيرة طرقت بابي في هذا اليوم، ليرتاح قلبي وضميري، عما خبأته عنكم وطوال تلك السنين، وضميري يعذبني في اليوم مليون مرة، وشبح ذاك الشاب يزورني، وبعد الاعتراف أتمنى بأن ترقد روحه بسلام وبعد ساعة من الزمن ذهب الصديقان للاعتراف عن ما اقترفوه،لعل القانون ينظر لحالتهما، وتُسمع قصتهما، فحكم الله أعدل “أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ” سورة التين” ٨”.
والاعتراف بالحق فضيلة، ومهما طال الزمن، سيكون هناك نور ولو بسيط ليسطع بعدها على الكون لتشع خيوط الحقيقة كالشمس، مهما مررنا من ظروف ولكن لا يعني أن نتمادى في قرارات تجعل منا قيودا منحصرة بدائرة لا نستطيع الخلاص منها
والصديق المخلص لك هو “ضميرك” دائما ينصح ويصحو من غفلة غفل عنها، تجره ملذات الحياة حتى ترتاح النفس بما تحمله من آثام، وهموم، وأفكار.
انتهى،،،،،
ملاحظه :أسماء الشخصيات من نسج الخيال