رِواية قَواعدُ العِشق الأربعون
عبدالله بن سالم الحنشي
أخَذَتْني الذّاكرة بَعيداً إلى ذكريات مُسَلسَل عودة غوّار، بُطولة المُمثّل السوري دُريد لحّام وبالتّحديد إلى أغنية ما زالتْ مُقدّمتها عالِقة في الذّهن ”دراويش دراويش ياخَيّي دراويش، عالخبزة والمَيّ يا خالي مِنْعيش“
رِواية قَواعدُ العِشق الأربعون لصاحبتها التُّركية أليف شَافَاك وترجمة محمد درويش عن دار الأدب، الرّواية من 504 صفحات، وينقسم إلى خَمسة أقسام تُمثّل العناصر التي تُؤثّر في حياتنا بحسب الفلسفة الصُّوفية، بالإضافة إلى المَدخل مِنْ مُقدّمة وتمهيد.
أقسامها كالتالي:
– القسم الأوّل: الأرض، الأشياء الصَّلبة والمُمتَصّة والساكِنة.
– القسم الثاني: الماء، الأشياء السائلة والمُتغيِّرة وغير المتوقَّعة.
– القسم الثالث: الريح، الأشياء التي تتغيَّر وتنشأ وتتحدَّى.
– القسم الرابع: النار، الأشياء التي تُتْلِف وتُخرِّب وتُدَمَّر.
– القسم الخامس: الفراغ: الأشياء المَوجودة من خِلال غيابها.
الرواية تأخُذكَ إلى عالَمٍ مُتوازٍ غريب بَعضَ الشّيء ومُتشابه بعضَ الشيء، ربّما جميعنا يعلم عَن الحُبّ وعن عالَم الحُبّ، ولَرُبما سَمِعنا عن التَّصَوف وقَرَأنا عنه، ولكن هذه الرواية بتنقلاتها وسَرديّة الأحداث فيها، تأخُذك بعيداً جداً. تارةً في حياة إيلّا في القرن الحادي والعشرين الميلادي، تلكَ المرأة التي كافحَتْ مِن أجلِ العائلة وتغاضتْ كثيراً عَن علاقات زَوجها العاطفية، وحاولتْ كثيراً التحكُّم في حياة أبنائها، المرأة التي عَملتْ لِنفسها حياةً خاصّة بِروتين خاصّ بين العائلة والطبخ والأصدقاء، إلى أنْ استلمتْ تلك المخطوطة التي قلبتْ حياتها رأساً على عقب، مخطوطة تنقلنا إلى زمنٍ آخَر في القرن الثالث عشر الميلادي بين شخصيّتين فريدتين في التاريخ عموماً والتاريخ الإسلامي خُصوصاً حيث تناولتْ حياةَ جلال الدِّين الروميّ المعروف بمولانا وأستاذه شمس الدّين التبريزي، وحياة الدراويش والتصَوّف وقواعدُ العِشق الأربعون للتبريزي.
المخطوطة كما قلبتْ حياة إيلّا فهي حَتماً ستقلِب حياة كلّ مَن يقرأها بتمَعُّن ويَضع نفْسَه في ذلك القَرن حيثُ يحاولُ شمس الدّين التبريزي إبراز تِلكَ المَفاهيم العميقة في عالَم التصوف مِن وَحدة الشّعوب والأديان، إلى التعمُّق عميقاً في فَهم الدّين بالطريقة الصوفية وإلى الوُصول إلى ذلك العُمق مِنَ الحُبّ الصّافي المدفون فينا.
في كلّ قِسم مِن أقسام الرواية الخمسة، الروائية وضعتْ عناوين مُتعددة على لِسان أصحابها حيثُ تمّ طَرْح الأحداث بتمازُجٍ جميلٍ بين القرنين مع تسلسلٍ للأحداث وتعدُّد الأماكن المختلفة في كِلاَ القرنين، الرواية روحانية بالدّرجة الأولى، روحانية الحُب والتعمُّق الإيمانيّ بحسب المفهوم الصوفي العميق، ربّما تنطوي على القارئ عند امتلاك الرواية أنها تتحدث عن قِصة عِشق بين شخصَين ولكنْ ما إنْ يبدأ في قراءة الرواية، ويتعمّق قليلاً حتى يُدرك ذلك العُمق في المفهوم الصوفي، وعِند كلّ حدَث تستعرض قاعدةً مِن قواعد العِشق الأربعون ذات العلاقة والحدَث الذي ذكرت عنه. وبغَضّ النّظر عن إيمان الإنسان بمفهوم الصوفية في الإيمان والحُبّ، وإلى حياة الدراويش والتكيات وغيرها، إلّا أنّ الرواية رائعة جداً، لَرُبّما تُغيِّر شيئاً ما في حياة القارئ.
وأخيراً وعودة إلى الذاكرة وإلى أغنية غوار ”دراويش دراويش ياخَيِّي دراويش، عالخبزة والمَيّ يا خالي مِنعيش“ ومع إعادة الاستماع لها بَعد الانتهاء مِنَ الرّواية، زادَ العُمق والفهم والترابُط بينها. إن أُتيحَ لي تقييم الرواية فبِكُلّ تأكيد ستحصُل على 10/10 في قائمة التقييم.