متى تستفيق العقول المريضة
محمود العدوي
منَ الله على الإنسان بنعم كثيرة وعظيمة تجعله عاجزاً من تعدَ أو تحصى وأكرمه وفضله عن بقية مخلوقاته، حيث قال سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز ” ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ سورة الإسراء:70.
ومن أعظم تلك التفضيلات أن منَ الله علينا بنعمة العقل الذي من خلاله نتبع طريق الحق وندعو به إلى الصلاح والرشاد ومن إمكانياته الإبداعية نواصل عمليات البناء والتعمير ومن خلاله تنطق ألسنتنا وتكتب أقلامنا ما فيه الخير والسعادة للبشرية جمعاء وما من شأنه أن يخلق ويحافظ على الآلفة والوحدة بين أبناء الأمة العربية والإسلامية. ولكن يظل ذلك العقل في صراع دائم ما بين الغرائز الجسدية المتمثلة في الشراب والطعام وغيرها من الأمور الأساسية للجسد وما بين الأهواء كحب التسلط والشهرة والظلم ومع مرور الأيام تتحول تلك الأهواء إلى إدمان ومرض يدمر الفكر فيصبح العقل مريضا وخبيثاً يسعى إلى نشر إدمانه ومرضه للغير، فتصبح أهواءٍ تلك العقول أماني وأوهام وعندما يستشرى فيها المرض تصاب بالطغيان والجبروت.
وجاءت تسمية العقل بهذا الاسم: كونه يمنع صاحبه عن التورط في المهالك، ويحبسه عن ذميم القول والفعل ” ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، 1366 هـ، مادة “ع ق ل”. ، ويذكر جيل جاستون جارانجي في كتابه العقل والذي قام بتعريبه محمود بن جماعة، ” إن العقل هو وظيفة التفكير الصحيح، يعارض المعرفة المنقوصة والوهمية” يقودنا كلام جيل جاستون إلى أن العقول المريضة تعارض المعرفة الصحيحة والحقائق الواضحة وضوح الشمس وبأنها تعيش مع ذاتها حالة من التناقض فترى الباطل حق والحق باطلاً، فكيف لعقلاً عربي مسلم أن يدعو إلى الدمار والهلاك وإلى القطيعة بين أبناء العرق والنسب الواحد وهو يقرأ القرآن ويحفظ من الأحاديث النبوية الشريفة ما تدل على أن الإسلام الحنيف يدعو إلى الوحدة والتآلف ويدعو إلى عمارة الأرض لما فيه من خير وصلاح الإنسان وفي المقابل يحذر بالوعيد القاطع كلاً من يعمل عكس ذلك، أليس في ذلك تناقض بين الحقيقة والوهم الذي يعيشه العقل المريض؟! لم تقرأ تلك العقول المريضة الآية الكريمة : ” وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204 ) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205 ) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ( 206 )”. ولكنني لا أعجب أن لم تتبع العقول المريضة النصوص القرآنية فهي تفسر معانيها بما يتناسب مع أهواءها وبما يدر عليها أموالاً وهبات فتجد أصواتها يعلو في شاشات التلفاز أو على مواقع التواصل الاجتماعي مستشهدة في أقوالها آيات قرآنية من الكتاب الحكيم لتطبع عليه صفة الصدق المغشوش والمتناقض مع ما جاءت به العقول النظيفة السليمة من تفاسير للآيات القرآنية أو بما أوضحته الأحاديث النبوية، فهل هناك آيات قرآنية أو أحاديث نبوية تدعو إلى الدمار وإباحة الدماء وإلى القطيعة بين المسلمين؟
مما يثير إعجابي كيف أن العقول الغير العربية تستثمر طاقاتها لبناء أوطانها وبما يعزز وحدتها وصفها المكين فهم يلجؤون إلى القرآن الكريم ويأخذون بتفاسيره الصحيحة ويعملون بنصوصها دون أن يدخل الإيمان قلوبهم، أو ما حملاتهم الفكرية المتكررة لوضع حاجز بين المسلمين وبما جاءت به الشريعة الإسلامية التي مصدرها القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ما هو إلا دليلاً قاطع لو أن الشعب العربي والمسلم اتجه الاتجاه الصحيح وأخذ بالنصوص القرآنية وبما جاء به سيدنا محمد صل الله وعليه وسلم لكانت أمتنا من أفضل الأمم وأرقها وكيف لا؟ ونحن أمة ألَّفْتُ مؤلفات في شتى العلوم كانت لنا سطورا فقط ولكانت للغرب منبع تقدمهم وتطورهم.
فمتى تستفيق العقول المريضة وتدرك أن الموت مصيرها وأن ما صنعته في أبناء الأمة العربية والإسلامية من دمار فكري واخلاقي وقطيعة بين أبناء الجنس الواحد ودفاعها عن الباطل كان سبباً في إراقة دم أخها المسلم ، وبسبب نشر فكرها المريض أصبحت الأرض الطيبة التي كانت تنبث ثماراً طيبة أرضاً يكسوها الدمار فاختلطت تربتها بدماء الأطفال وكبار السن والعلماء فأبت أن تنبت ثمرا مخافة أن يأكله العربي الحر فيصبح من حزب العقول المريضة، فمتى تستفيق تلك العقول وتعرف أن كلام الله حق وبان حسابه عسيرا وبأنها ستردد ما نطق به القرآن العظيم ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾.