بين أصالة الماضي ورفاهية الحاضر
علي بن سالم البسامي
في الماضي الجميل كان الناس يعتمدون على أنفسهم في الزراعة، وفي الأعمال كافة التي تجلب لهم الخير والرزق، وكانوا متعاونين فيما بينهم شيباً وشبانًا، وعندما كنت أذهب إلى بعض المناطق الريفية، وأرى ما يفعلون في الزراعة بأنفسهم، وكانت الأجواء طيبة ومريحة، والقهوة العربية تفوح رائحتها من بعيد، ولا عجب أن تكون الزراعة بالنسبة لهم مصدر رزق، وكانت الأسواق في مركز المدينة تعج بمنتوجاتهم، وكان عملهم بسيطا، ويجلب لهم الخير الوفير، وحتى بعض الأبنية يبنونها بأنفسهم.
أما في المناسبات فإننا نراهم مجتمعين كالجسد الواحد، ويتبادلون الزيارات فيما بينهم، ويصلون أرحامهم، ويعودون مريضهم، ويعاونُ بعضهم بعضا، ويساعدون المحتاج، ويقفون مع المعوز الفقير، والكثير الكثير من الأمور الجميلة التي لا يتسع المقام لذكرها.
اما الآن فقد حدث فرق واضح بين الماضي والحاضر، فقد أصبحنا نعتمد على الوافد الاعتماد الكبير، فهو الذي يزرع لنا، وهو الذي ينظف بيوتنا، ويبيع منتوجاتنا، وفي بعض البيوت الراقية أصبح الوافد يطبخ، ويحضر الطعام، ويوصل الأولاد والعائلة إلى المكان الذي يريدون، والذي زادني عجبا أن يمتد هذا في المناطق الريفية، فقد أصبح الوافد هو الذي يرعى المواشي، وهو الذي يحلبها، ويبيع منتوجاتها، وذات يوم ذهبت إلى قرية نائية لا تصلها إلا بمركبة ذات دفع رباعي وبصعوبة، وأردت أن أشتري من معهم بعض المنتوجات فإذا بالوافد هو الذي جاء يبايعني…
لماذا هذا التكاسل منا؟ وما الذي تغير فينا لنترك ما فعله أجدادنا؟ صحيح أن العمل في المؤسسات المختلفة هو العذر الرئيس في هذه القضية، لكن لمَ لا نغرس في أولادنا حب العمل، ولو بشيء يسير، الآن هناك مخرجات من الجامعيين، والدبلوم العام، فحينما تطلب منهم أن يعمل مؤقتا لغاية حصوله على الوظيفة، فإنه يتحجج بأعذار، فيستكين إلى الكسل والخمول.
العمل البسيط ليس عيبا، ففي الدول المتقدمة لاحظنا دكاترة ومهندسين وغيرهم يعملون في فترات غير وقت عملهم، وفي أماكن غير عملهم، حتى وإن لم يحصلوا على وظيفة، فتراهم غير قاعدين عن العمل.
وأخيرا أدعو الشباب لتنمية مهاراتهم، وأن يعملوا -ولو يسيرا- فقد تجلب لك رزقا كثيرا، والله يبارك في تلك الأعمال، وأدعو أيضا الأفراد والمؤسسات بأن يقللوا من جلب الوافدين؛ ليترك المجال للشباب في بلادنا.