2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

مبادئ الحوار في شبكات التواصل الاجتماعي

د.أمينة بنت راشد الراسبية

تنهض المجتمعات وتتقدم باستخدام الحوار البناء كوسيلة من وسائل التواصل الأساسية التي تبنى على مقومات الحوار الهادف والتواصل البناء ، شريطة الربط بين الهدف من الحوار وموضوع الحوار ، ثم ربطه بالنتيجة والفائدة المرجوة منه بحيث لا يكون الحديث لمجرد الحديث فقط، بل يعتمد على أسس ثابتة تضمن نجاح هذا الحوار وتحقق الهدف منه ولأنَّ الإنسان كائن اجتماعي مدني بطبعه، كان لابد من اعتماد الحوار وسيلة وأداة للتحاور والنقاش والتفاهم بين الطرفين أو بين أطراف متعددة حسب الأعداد المنتمية لذلك الحوار.

تلعب شبكات التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في تحقيق الألفة بين الناس فبعدما كان التواصل في الزمن الغابر بالزيارة المباشرة في حالة القرب، وبالبريد الذي يصل بعد فترة من الزمن للطرف الآخر، لكن نظرًا للتطور المدني والتكنولوجي انتشرت وتوسعت شبكات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع فأتاحت سهولة التواصل والتبادل التجاري ومعرفة الأخبار والترفيه، ومن أنواعها الفيس بوك، والانستجرام، والتويتر وغيرها. وتقوم أساسيات كل هذه الشبكات على الحوار والذي بدوره هو الرابط الأساسي في عملية التواصل ويعرف الحوار بأنه من المحاورة أي المراجعة في الكلام وهو عبارة عن محادثات ونقاشات بين شخصين أو أكثر حول موضوع معيَّن تم الاتفاق على النقاش فيه مسبقاً أو حدث تلقائياً أثناء سياق الكلام والحوار، ويهدف هذا النقاش إلى تبادل المعلومات والأفكار والتعرف على وجهات النظر المختلفة، كما أنه يمثل ركناً أساسياً من أركان التواصل الاجتماعي منذ قديم الأزل؛ فهو ليس سلوكاً مستحدثاً يرتبط بهذا العصر فقط ، فلقد قامت المجتمعات القديمة على الحوار في مسائلها ومشكلاتها.

ولأن الحوار الهادف له فوائد عدة وإيجابيات لا حصر لها ، كان لابد لي من الحديث حول هذا الموضوع خاصة في ظل كثرة الإساءات والإهانات ونسيان أو تناسي أخلاقيات الدين بسبب غضب مؤقت لموقف ما ونسمح لهذا الغضب أن يتغلغل في النفوس فيغلفها بغطاء من الحقد والكراهية لدرجة عدم حسابنا لعواقب هذه الأمور على الفرد والأسرة والمجتمع وعمان كاملة، فكما قيل الحوار صورة العقل بمعنى ما تتلفظ به وما تتحاور به هو فكرك وأسلوبك وطريقة تفكيرك وهي من تمنحك مسافات للأمام فتتقدم بدلاً عن أن تتراجع خطوات فتتأخر.
إنَّ الحوار الهادف يزيل مواضع الخلاف ويضعك أمام حقيقة أن ثقافات الناس تختلف وكذلك هي رؤاهم ووجهات نظرهم، لذلك لابد من التريث والتأني وفهم موضوع الحوار واحترام وجهات نظر الآخرين، ثم الخوض في الحوار بالطريقة التي لا تجعل من المحاور عرضة للانتقادات والتجريح ، فلكل فعل رد فعل ومن هذا المنطلق قد لا نصل دائماً إلى النتيجة المحمودة والهدف الأساسي من هذا الحوار والتي منها التحلي بالأخلاقيات في المبادرة بالحوار أو حتى بالرد على حديث أحدهم أياً كان موقع هذا الحديث من مواقع التواصل الاجتماعي، فتهذيب النفس يعكس التربية الدينية والأسرية والمجتمعية ويعطي انطباعاً عاماً عن أخلاقياتنا كفرد، كأسرة، كمجتمع، وكسلطنة عمان وطننا الكبير؛ فما نفعله وما ننهجه يعود علينا كمواطنين في بلد واحد.

ذكر الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز هذه الآية القرآنية ، قال تعالى : “ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)-[لنحل] ، وقال أيضا : “وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)” [فصلت]؛ ومن هذا نستخلص أهمية الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة واتخاذ الحكمة والإقناع المقبول منهجاً للتعامل لنيل الرضا والارتياح والاقتناع للطرف الآخر حيث تستند على أمور عقلانية مبنية على نجاح النتيجة وتحقيق الهدف المرجو من الحوار وكل هذا يتأتى ويتحقق بتطبيق مبادئ الحوار بطريقة محببة بحيث يجعل الفرد منا أمام ناظريه رقي السلوك ودماثة الخلق في كل موقف من مواقف حياته وتعاملاته اليومية.

وبغض النظر عن صفة موضوع الحوار ونوعه، دينياً كان أم سياسيا أم اجتماعياً أم تعليمياً، كان لزاماً علينا الالتزام بمقومات ومبادئ الحوار الهادف والبناء، فلا يحق لنا نعت الشخص بالخائن والسارق من باب حرية الرأي لأنَّ حرية الرأي بعيدة عن هذا كله ولا تمت لقلة الاحترام بصلة، حرية الرأي هي قول الحق بأسلوب لا تجريح فيه من قاعدة (لا ضرر ولا ضرار)؛ فحرية الرأي تعني أن أطرح المشكلة لوضع مقترحات وبدائل لحلها وليس فقط لانتقاص جهود، ولنعي تماماً أن حل أزمة معينة لا يكون بيوم وليلة، ولنا في رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الأسوة الحسنة، فما وصل الإسلام إلى ما هو عليه الآن من رقعة عالمية واسعة وامتداد جغرافي لا حدّ له إلا بفضل حكمة رسولنا الكريم وحنكته في الأمور كلها مع شتى الأطراف المتنازعة، وقصة الحجر الأسود وحمل كل جماعة لأطراف رداء الكعبة لهي شاهد على التمسك في المفاوضات بالحوار ونبذ النزاعات والتمسك بمبدأ السلام.

وصلت سلطنة عمان إلى أرقى المستويات وتمكنت من تقوية العلاقات بينها وبين الدول إقليمياً وعربياً ودولياً بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بفضل انتهاج المغفور له السلطان قابوس-طيب الله ثراه– لنهج السلام واعتماد مبدأ الحوار والمفاوضات هي الفيصل في التعامل مع مختلف القضايا إقليمياً وعربياً وعالمياً وأكدت السلطنة دوما سواء على الصعيد المحلي أو في العديد من المحافل الدولية أنها دولة صانعة للسلام ومحبة للسلام ولا تقوم إلا على السلام.
استطاع مشروع (رسالة الإسلام) وخلال سنوات قليلة تكوين شراكة عالمية مع مؤسسات علمية وأكاديمية وجامعات ومعاهد ومتاحف في العديد من دول العالم، حيث إنه حتى يوليو 2017م يكون معرض (رسالة الإسلام) قد تجاوز (102) محطة حول العالم ، وخاطب أكثر من (8) ملايين زائر (جريدة الشرق 23-يوليو-2017)، حيث أن هذا المشروع يهدف لنشر القيم الإنسانية بين البشر والقضاء على الحروب والتطرف وذلك من خلال إجراءات معينة تتمثل في: إقامة معرض، تنظيم زيارات شبابية، وتنبع فكرة هذا المشروع من فلسفته التي تتمثل في مذهبية التسامح الثلاثة والتي تتضمن المعرفة والتعارف والاعتراف؛ ومن هنا تسود أجواء الحوار والتفاهم والفهم المشترك والصدق والأمانة وغيرها من الأخلاقيات لنشر ثقافة التعايش والتسامح وقبول الآخر (البوابة الإعلامية ، وزارة الإعلام، 17-7-2020م)
كذلك لن ننس محور الإنسان والمجتمع وهو محور أساسي من محاور الرؤية المستقبلية 2040، كيف لنا أن نحقق التنمية في بلادنا ونحن بعدم تقيدنا بأخلاقيات الحوار نبتعد كثيراً عن كل مايحقق التطوير والتحسين، فالإنسان هو صانع التنمية، فيجب أن يكون هدفها إسعاده وإعداده، وهذا ما أكد عليه السلطان قابوس -طيب الله ثراه- خلال خطابه في العيد الوطني 1974، وهذا ما سيكون أيضًا في ظل العهد الميمون لصاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق-حفظه الله ورعاه-.
علينا استعمال عقولنا فلا نسلك مع السالكين مهما كان نوع الفعل، ولا ننسلخ من قيمنا وعاداتنا بحجة حرية التعبير عن الرأي، وأن نقتدي بسيد البشرية جمعاء في القول الحسن والعظة الحسنة، وأن لا ننجرف للهاوية برغبتنا دون تفكير، لأن عدم استعمال العقل سيوقعنا في أوحال الندم والحسرة.
من ينثر ورداً يجد طيب رائحة بامتداد طريقه، ومن ينشر حباً ستحوم حمامات السلام فوق سمائه فلنتمسك بنهج السلام ولا نحيد عنه، فعمان تستحق أن نكون مختلفين ومتفردين برقي أخلاقنا ونقاء قلوبنا وحبنا للخير لعمان داخلها وخارجها، هكذا كان الأولون ونحن على نفس النهج ماضون.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights