2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

كن رقما صعبًا في التفكير

الدارات الجامدة

رقية بنت عديم الفورية

يحكى أنه كان هناك ملكٌ أعرج وأعور أراد أن يرسمه الفنانون في عصره ولكن بشرط، ألا يظهروا هذين العيبين في الصورة وفي نفس الوقت لا يزيفون الحقيقة. لم يستطع الرسامون أن يلبوا أمر الملك، فإن رسموه بعين واحدة وساق عرجاء سيظهرون عيبه، وإن رسموه بعينين وساقين سليمتين سيزيفون الحقيقة.
وسط عجز كل هؤلاء الرسامين، جاء رسام إلى الملك وقال له: أنا أستطيع أن ألبي طلبك دون تزييف الحقيقة، ولكن امنحني الفرصة لرسمك. وافق الملك وبدأ الرسام في إتمام المهمة، وبالفعل رسم صورة رائعة لا تخالف الحقيقة ولا تخالف شروط الملك، ولكن خمنوا كيف فعل ذلك؟
لقد رسم الرسام الملك في هيئة صياد يمسك بيده بندقية صيد، ويغمض إحدى عينيه، ويثني إحدى قدميه، وهي الهيئة التي يكون عليها الصياد عند اصطياده للفريسة، وبهذا استطاع الرسام أن يرسم صورة الملك بلا عيوب.
فمن خلال مرونة التفكير وتراكم الخبرات تزيد عدد(الدارات العقلية) وتستطيع تطويع الأمور التي تسير وفقًا لما خططت له، وهكذا نحن لابد أن نكون مرنين، ولا ننظر للأمر من زاوية واحدة، فربما كانت هناك حلول كثيرة تحتاج منا فقط البحث والمحاولة.

هل تعتقد أن عقلك يعمل تلقائياً وفق الطريقة الصحيحة بالشكل المطلوب منه؟
إن كانت إجابتك بنعم فسأخبرك بأنك على خطأ!.

يجب أن تأخذ في حسابك بأن عقلك يعمل وفق ضوابط القدرة الإلهية التي وضعها الخالق ويتم ذلك وفق دوائر التحكم التي وضعت فيه، وهي تساعدك في حل المشكلات فهي تعمل وفق كيفية استخدامك لهذا العقل وعلى الأهداف التي استخدمته فيما مضى، وتبني هذه الدوائر من خلال القلب المثيرات المختلفة تمر بعدها بعمليات أولية لعلاج هذه المثيرات مما ينتج عنه استجابات مختلفة تختلف باختلاف الأشخاص وهو ما سيسمى لاحقاً بمخزون الخبرة من كمية المثيرات، وعمل ترابطات بينها وبين المثيرات المستقبلية المشابهة لها لتكون في كل مرة استجابة متطورة عن الاستجابة السابقة وهو ما يدعى بالخبرة التراكمية.

وسؤالي الآخر: هل تعتقد أنه المورد المالي الذي يأتيك كهدية دون عناء منك سيتكرر لاحقاً؟.

إذا كانت إجابتك بالنفي؛فسأقول لك أنك أصبت فكل ما يحصل عليه المرء كهدية -تمنح له مرة واحدة- وعليه السعي والبحث والتطوير والمحافظة، فالتجارب بعضها يأتينا كهدية ولكن ليس في كل مرة؛ وعليه يجب أن نسعى نحن إلى التجارب ومن ينأى بنفسه بعيدًا عن التجارب والاصطدام بالمثيرات، فإنه لن يتقدم خطوات للأمام، فالتنمية العقلية أشبه بذلك الطفل الذي يحتاج إلى رعاية خاصة وإلى جرعات من الثقة ليكبر معتمدًا على ذاته.

وما الكيانات المؤسسية إلا كيانات عقلية في الأصل لا ترقى ولا تتقدم إلا من خلال أعمال عقول خبراتها المتنامية، فلكي تحافظ على قوتها وازدهارها؛ يجب أن تعمل كفاءات كوادرها البشرية بما يمتلكونه من دوائر تحكم عقلية عديدة، تراكمت فيها الخبرات المتنامية من خلال التجارب المحلية والعالمية لتنمية الموارد واستغلالها الاستغلال الأمثل.
وعليه يجب أن نعمل بمبدأ الجودة والكفاءة (عائد أفضل بجهد وتكلفة أقل)؛ لكي لا تهدر الأموال في (دارات جامدة) لا جدوى منها، وأقول هنا (دارات) لمن يعمل بنفس الروتين ونفس الفكر في (دارة واحدة) تعيد تكرار نفسها ولا تحرز تقدمًا أبدا، (دارات جامدة) لم تمارس ما هو أبعد من أقدامها، ولا تتمتع بالمرونة والقدرة على التصرف وبعد الأفق.
إذن، علينا أن نستثمر أموالنا التي سنسأل عنها فيما يحقق العائد المربح فيتم البحث عن الطرق المناسبة وأبسطها وأقلها كلفة وأكثرها جودة للوصول الى الهدف، وما خير نبينا المصطفى محمد عليه السلام والسلام في شيئين إلا اختار أيسرهما.

إن الموارد الطبيعية، والبشرية أمانة وجب الحفاظ عليها وتنميتها تنمية مستدامة فلا يجب أن تطال عقول أفرادها أيدي العابثين وتلعب بها أيدي الجامدين، فالتغيير مطلب والتقدم أوجب. وكما قال أفلاطون: ”العقل هو النظر في العواقب“.

ولا بد لنا نجهز الصف الثاني والثالث، بخبرات فوق خبرات، وبخطة تبنى على خطة لنتدارك العثرات.
آن الأوان أن يتخلى المتسلطون عن الاعتقاد بأنه لا يوجد صف غير صفهم ولا ينجز عمل دون بنانهم، معتقدين أن الكيانات ستسقط بدونهم، و هنا أتذكر مقولة مفادها (كثيرون في المقابر كانوا يظنون أن الحياة لا تسير إلا بهم).

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights