في طريقها لقطع كعكة عيد ميلادها ذهبت لجنة الخلد بإذن ربها
راشد بن حميد الراشدي
إعلامي وعضو مجلس إدارة
جمعية الصحفيين العمانية
في مشهد حزين تبكيه مآقي الرجال وتنهمر دموع من عرف عن ذلك المشهد المهيب، ترحل إلى بارئها طفلة في عامها الأول هي وأمها في يوم عيد ميلادها في حادثة امتزجت فيها روائح الموت الذي خيم على اصطدام أكثر من سيارة في مساء حزين.
ترحل ذات الربيع الأول مع كعكة عيد ميلادها، وبيدها تمسك بتلابيب أمها إلى خالقهم في يوم مأساوي آخر يمر على عمان ضمن حوادث الطرقات.
في يوم العيد الثالث والناس يعيشون أفراح العيد بتفاصيله وهي تزهو في ثوبها الجديد، وقد تجهزت هي وأمها ووالدها للذهاب إلى بيت جدتها التي أعدت ألوان الفرح لحفيدتها الأولى؛ كي تحتفي بها في تمام عامها الأول، كانت زاهية المنظر تستعد لعرس السماء ولقاء ربها وهي لا تدري بما كتبه القدر.
الأم متلهفة بفرح الجدات إلى أحفادهم للإحتفاء بهذه المناسبة التي فضلت في هذه الأيام المباركة أن تكون في بيت أمها، وتقتصر على أسرتهم الصغيرة المكونة من أم وأب وطفلة حالمة نحو زهو الحياة والجدة وبناتها الصغار.
ريب المنون قضى أجلهن بإذن ربهما في الطفلة وأمها وصراخ الجدة، وقد صعقها الخبر يدوي للسماء: يا رب يا رب لطفك ورحمتك.. لطفك ورحمتك . وفجائية الخبر فاجأت القريب والبعيد بدون استثناء، وقد خيم الذهول على جميع أقاربها.
طفلة بعمر الزهور وأم حنون رؤوم تفارقان دنيانا الفانية، وأب كسير الجناح يمشي في ليلة عرس ابنته وزوجته، وهن يزفان إلى مرابع الجنان بإذن ربهما.
ما أقساه من مشهد على الأب المحتسب أجرهما بصبره على الله والداعي لهما بجنات النعيم، وعزائه فيهن رضا ربه ورحمته وحكمته.
ترجل هو وأحبتهما جميعاً من أجل لحظات الوداع الأخيرة وعيد ميلادها ينتظرهما في جنة الخلد بفرح المؤمن وصلاحه.
اليوم ترقد الطفلة هانئة عند بارئها، وتنادي على أمها أن لا تحزني فقد جعل الله لنا هنا خيراً كثيراً، ففي جنة الخلد ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب أحد.
لبست ثوب العيد وثوب الفرح لتزف في مشهد مهيب إلى من عنده الخير كله، وتركت أباً يبكي حرقة الفراق لأمد سيجمعه الله بهما إن شاء في جنات النعيم.
هذا هو ديدن المؤمن؛ الصبر عند الشدائد واحتساب الأجر والثواب عند الله.
ففي طريقها لقطع كعكة عيدها ذهبت لجنة الخلد بإذن بارئها.
ولا نقول لأهلها إلا كما قال الصابرون المحتسبون: (إنا لله وإنا إليه راجعون)،
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.