الإداري الناجح
د. سعيد بن راشد الراشدي
يُعتبر مفهوم الإدارة من المفاهيم البارزة التي استقطبت اهتمام الدارسين والباحثين؛ لما لها من أثر في كل مناحي الحياة، وقد أسهمت التطورات الكبيرة والسريعة التي حدثت في العالم في القرن العشرين، وما أحدثته من تقدم علمي، وحراك اجتماعي واقتصادي واسع على النطاق العالمي بزيادة الاهتمام بالإدارة، وضرورة العمل على دراستها وتحليلها، ثم تطويرها والتوسع في تطبيقاتها، ولهذا فإن علم الإدارة متطلب أساسي لمختلف المجالات (عربيات ،2007).
ولم يتفق الكُتاب والمتخصصون في تحديد تعريف واحد للإدارة، بل تعددت تعاريفهم كلٌ حسب ثقافته وتخصصه، فعرفها “أوليفر شيلدون” كما ورد في (عابدين ،2001، 20) بأنها “وظيفة يتم بموجبها رسم السياسات والتنسيق بين الأنشطة، وتصميم الهيكل التنظيمي لها، والقيام بأعمال الرقابة على كافة أعمال التنفيذ”.
لذا نجد أن العمل الإداري ينطوي على كلّ نشاط بشري يهدف إلى تنظيم الجهود لعدد من الأفراد لتحقيق أهداف مرسومة مسبقاً في أي مجال كان، ويعتبر الإداري فرداً هاماً في مؤسسته التي يعمل فيها، ولكي يقوم بواجبه على الوجه الأكمل لابد أن يتمتع بصفات وسمات تميزه عن غيره.
وتتمثل تلك الصفات في أن يكون الإداري قدوة حسنة لجميع العاملين معه في تلك المؤسسة، وأن يسعى دائماً للتعرف على العاملين وتوفير احتياجاتهم المختلفة، وإسناد العمل المناسب لكل منهم بحسب قدراته وإمكانياته.
عليه أيضاً أن يحترمهم ويتعامل معهم بروحٍ يغلبُ عليها الجانب الإنساني، وأن يسعى دائماً إلى تهيئة المناخ المناسب والمحفز للعمل في المؤسسة، ويسعى لتطبيق أفضل الأنماط الإدارية مع الجميع، وينشر مناخ الود والاحترام بين الجميع، ويسعى جاهداً في القضاء على الصراعات الداخلية في المؤسسة إن وجدت.
كذلك من الصفات والمهارات التي يجب أن يتحلى بها الإداري الناجح في مؤسسته أن يُحسن التصرف في المواقف الطارئة التي يمكن أن تعترض سير العمل، وأن يمتلك الشجاعة والقدرة على صنع القرار واتخاذه بدون تردد أو خوف مع ضرورة إشراك العاملين معه في ذلك؛ ليُسهلَ عليه عملية تقبل القرارات وتنفيذها من قبل الجميع في المؤسسة.
ويتمثل هذا المبدأ في قوله تعالى في كتابه العزيز:” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” -سورة آل عمران ﴿١٥٩﴾-.
وعلى الإداري أن يكون عادلاً في إدارته وتعامله مع جميع أعضاء فريق العمل ليكون ناجحاً في عمله، وأن يعمل ويوجه العاملين للعمل وفق منظومة الفريق الواحد في المؤسسة، مع الاهتمام بعملية تفويض الصلاحيات لبعض العاملين وفق الاختصاصات والواجبات والمسؤوليات لكل منهم؛ ليشعر كلّ فرد منهم بأنه مهم في مؤسسته ويؤخذ برأيه؛ مما يدفعه لبذل الجهد المضاعف لتحقيق أهداف المؤسسة، وأن يتمتع بقدرته على التأثير في الآخرين ويتأثر بهم؛ لأن ذلك يؤدي إلى تحقيق الأهداف التي وضُعت مسبقاً؛ مما يساعده في نجاح مؤسسته.
بالإضافة إلى ضرورة الاهتمام بالجوانب التحفيزية مادية كانت أو معنوية للمجيدين منهم وتشجيعهم والأخذ بيد المحتاجين منهم للارتقاء بمستوياتهم وقدراتهم العلمية والعملية من خلال توفير الفرص المناسبة لهم من البرامج التأهيلية والتدريبية.
هنا تطرقنا لبعض السمات والمهارات التي يجب أن يتحلى بها الإداري لكي يكون ناجحاً في مؤسسته، علما بأن هناك المزيد من المهارات والصفات التي نجدها من الضروريات لكل إداري أو قائد في أيّ مؤسسة يعمل بها، وخاصة ونحن نعيش عصر التقدم العلمي والمعلوماتي الهائل والسريع في كل المجالات المختلفة في حياتنا.
وأخيراً وليس بآخر إن تحديد الأهداف في أي مؤسسة ليس أهم ما في الأمر، بل الأهم في ذلك هو التخطيط الجيد والعقلاني لمختلف جوانب العمل في المؤسسة عن طريق حصر كل الإمكانيات البشرية والمادية المتوفرة والاستفادة منها من خلال وضع خطة عمل ينطلق الجميع من خلالها وراء تلك الأهداف التي رُسمت مسبقاً عن طريقهم ومن خلالهم جميعاً ليسعى كلٌ منهم لتحقيقها، ومتابعة التغذية الراجعة لها بوضع الخطط التطويرية المناسبة للاستمرار في البناء والتطوير والتحسين في الأداء بمختلف مجالاته بالمؤسسة.