2024
Adsense
قصص وروايات

حنينٌ لا ينام

منال السيد حسن

اليوم عاندني مفتاح شقتي -كعادة كل الأشياء التي تحب عنادي- .. المفتاح لا يريد أن يخرج عن إطاره .. حاولت مرارًا و لكنِّي لم أستطع!! وقفت مستاءًة وتمتمت في غضبٍ “اللعنة؛ ماذا سأفعل الآن سأتأخر على موعد عملي .. اللعنة؛ كاميرات المراقبة ستعمل وأنا التي قبلها يوما ما تأخرت .. الآن وبعد أول يوم عمل لها أتأخر ؟!! .. تبًا؛ البصمة وبعد أول يوم عمل لها أكون آخر من ترك بصمة حضوره”؟!

وقفت في أسى انظر حولي .. وكأن كل الأشياء تتفق وتذكرك .. تتفق وتخيلك!!
قلت لنفسي لا .. لا أريد أن أدخل هذه الدوامة مرًة أخرى -دوامة صندوقي الأسود .. أسرار ما خلف الباب- كل الفصول تتعاقب أمام عيني .. أغمضها علني لا أبصر .. ولكنها طوال حنيني إليه تُبصرني .. تدلني عليه .. كأنها خارطتي.

وققتُ تائهًة .. جلستُ بملابسِ العملِ أرضًا .. كنت أعلم أنه سيحدث شيئًا ما -هكذا حدث في حلمي وأنا أخشى أحلامي .. أحلامي التي دائما تتحقق .. كلها يتحقق .. أحيانًا أكره أن أنام خشية ذلك- جلستُ وصورتك لا تروم الذهاب عن ناظري .. تذكرتُ همساتِ قلبك لي في أول ليلٍة بيننا وأنا أشعر به يقول أحبك، -رغم أننا لم نلتقِ أبدًا- وأنا التي تخشى أن تُقال لها رغم أنني متيمة بكل معانيها ولكني أخشى أحدًا يقولها .. ليُحبني ولا يقول لي .. إن كنت تحبني اتركني أنعجن بالشعور ذاته .. لذتِه وبهاءِه.

تذكرت حين شددت على يدي مسلمًا في أول لقاء بيننا -اللقاء الذي لم يحدث بعد- شددت عليها وكأنك تريد قولَ شيءٍ ما -لم يحدث أن شدَّ أحدٌ على يدي هكذا وأنا في حقيقة الأمر لا أمد يدي بالسلام مطلقًا- .. اشتعلت حربٌ جديدة في دواخلي .. كنت أقتات على حبيبات لطفك والآن أقتات على رائحتها ورائحتك في الغياب -غيابك المشتعل- .. داخل عظامي أنينٌ سلب مني عسلها البريء .. أتسلل داخل الفراغ ببطء ووجع .. أبحث عنك .. أعابقٌ أنت هنا؟! رائحتك حولي توقظ في كل ذكرياتنا معًا .. ذكرياتنا خلف الباب -الذي لم تطأه قدماك يوما- أغرق وسط الكلمات التي كان يجب أن تقولها لي ولم تقل!!

أغرق وسط الرسومات التي ناقشنا محاولة رسمها ولم تعاودني النقاش -النقاش الذي لم يحدث قبل أبدًا- وأنا التي أود حدوثه.

أغرق وسط تفاصيلك التي اعتدت أن أغرق فيها وحدي لعلها تربت على روحي ولم تغنن عن وجودك. -كم مر عليّ حتى ألاقي نفس المصير؟!!-

انتبهت فجأة للساعة .. لقد تأخرت خمس دقائق!! .. تأخري عن العمل بمثابة كارثة لي -إنه أول إنجازاتي اليومية- خمس دقائق كانت كفيلة بإشعال حرائقٍ لا تخمد في صدري .. كانت كفيلة لأن تقلب يومي رأسًا على عقب .. جربت أن أفتح الباب ثانية .. هذه المرة نجحت المحاولة ولا أدري كيف!!

لقد أراد قضاء الله أن ينفذ في خمس دقائق .. خمس دقائق كلي ثقة بأن شرها خير ولا يسعن إلا الرضا به!!

خمس دقائق استعدت فيها ذكريات لم أستطع أن أطرح منها شيئا كنت أضيف إليها وكأنني أفاضل بينها وبين حرائقي!!

غيابُكَ مُرٌ .. جدددا مرْ .. بداخله ممرات مظلمة .. لا تدلني على الطريق .. أنا لا أستطيع أن أغادر الباب رغم أنني في مكتبي بالعمل .. لا زالت ثنايا أحداثه عالقًة بأفكاري .. مشوشًة لا أروم فعل شيء إلا محاولة مجابهتها كي أستعيد وهجي وإشراقتي. ولكنك يا أنت أو كما أسميك أنا؛ كنت تطلع لي في كل الوجوه المارة .. في شاشة جهاز الكمبيوتر الخاص بي .. في دفتري ووسط أقلامي .. يناديني أحدهم أشعر بأني أسمع صوتك -صوتك الذي لم أسمعه قبلا-.

مر يومي بسلام لم يكن! .. وعدت مجددًا لوحدتي وأنت .. أخاف كثيرا من حلول الليل .. رُغم أنه صديقي الدائم إلا أنه عدو لي أيضًا -كل ليلٍ رأيتك فيه لم أستطع النوم .. رُغم أن كل ليل أراك فيه تملؤني البهجة وتعشش داخلي-.

(أمورٌ كثيرة -ليلا- أفعلها حين أعجز عن ضمك) ..

أجلس في الزاوية التي تجلس بها دائما .. أتقوقع بداخلها وأغوص في محاولةٍ لأن أسكنك .. تحضرني تفاصيل صوتك على اختلاف نبرته بين جملة وأخرى .. أغمض عيني .. يمر شريط حضورك في ذهني .. تعلق كلماتك بباطني .. أحاول أن أفتح عيني لتقاوم إلا أنها تبقى مشدوهة لتفاصيلك وجفنيها يحتضنان بعضهما البعض وأنت! .. أنت ترقد بينهما ليحل السلام .. كنت أظن أنك تذهب بمجرد ذهابك لأجدك تبقى لتبرهن لي أن كل الأشياء حولي خاوية ووحدي ممتلئة بك.

أتلمس أعقاب سجائرك التي أقوم بتجميعها .. في كل عقبٍ أتلمسه لأشعر بأني أتلمسك أنت -رُغم أنني لا أعرف هل تُدخن أم لا؟!- كم جميلٌ أن أتلمسها لأراك وإنها لأكثر لحظات قلبي سعادة أن أراك .. من الزاوية تطلع لي .. من زهوري تطلع لي .. في المرايا تطلع لي .. على سريري تطلع لي .. أضع يدي على قلبي فتطلع لي.

أقف خلف الباب في نفس البقعة التي تقف بها حين تدخل علي مُسَّلِما .. حين تضمني .. أقف وأغمض عيني فأراك .. وتضمني -رُغم أن هذا لم يحدث بعد- .

أتحدث إليك من قلب يستجديك ولا يدري كيف لك أن تنال منه ما نلته .. كيف أنك تمسك به بين يديك ويختال فرحا بذلك -رُغم توجعه-.

ألامس صدري من فرط دقاته .. أتخيل لمساتك الدافئة .. لم أشعر بأنوثتي -التي ظننت موتها- إلا يوم احتضان نظرتك لي .. تأخذني بها من أقصى الدفء لأقصى الدفء .. نظرتك التي من يوم عانقتني وأنا لا أستطيع مقاومة إحساسي بها .. والله لحلاوةٍ تذيبُ القلب فلا يغفو عنك ولو حلما .. والله كأنك تصب كل جمال الدنيا في روحي صبا .. وكيف لا وأنت الجمال كله .. البهاء كله .. البراءة كلها.

من يوم عرفتُكَ وأنا التقيت ونفسي التائهة .. والتقيت بعذوبة روحي بفضل عذوبتك .. والله إنها لحظاتٌ بكل ما مضى من عمري .. أبقاك الله أبدا مشرقا ومبهجا ومنيرا .. أبقاك الله حبيبًا لي -رُغم أني لا أعرفك-.
ولكن نظرتك التي عبقت داخل بؤبؤيَ تطاردني ولا أنام.

أنظر إلى صورك أعشقها وكأنها ليست أنت .. وأعشقك وكأنك لست هي .. وما بين عشق وعشق تفاصيلٌ صغيرة تقتلني على قدر براءتها .. وجمالها واكتمال محاسنك بها.
كأن الله جمع كل تلقائية الأرض وبساطة ساكينها ووضعها بها .. هي و الله التفرد كله في اللطف كله.

حينما أختلي بك -و أنا وحدي- لا أكون أنا أنا.
جانب مني لم أعرفه قبلك .. يقول أنت ولا غيرك.

لا أدري ماذا يحدث لي الآن على وجه التحديد .. ولكنها طيورك تحلق في سمائي .. تنتشي معي رويدا وتغازلني رويدا .. لو ترى كل الذي في داخلي يجري .. لو تدري كيف أن نظرتك ممدٌة داخل نظرتي تطارد النوم من عيني لتراك .. وأراك!! .. لو تدري!

اعذرني إن شيئًا أصابني كمن أصابه مسٌ. أشعر أني أنعجن بك و لَجُمَّ ما أشعر به الآن .. لا أود شيئًا غيره .. لو أموت ولا أشعر بغير حلاوته .. هذا ما أريد.

-إن عطاء البشر جميعهم لا يعني تقديرهم لي بقدر أن لطفا صغيرا منك يعني تقدير العالم كله لي .. وكيف لا وأنا أأخذك دائما على محمل الاستثناء؟!-

ماذا سيضير العالم لو أبقى بين ذراعيك والله لا أريد سوى الأمان الذي أشعر به داخلها .. أقسم لا أريد.

سيدي؛ في داخلي شوق لا ينام .. ولا يدري أنه سابق الحنين .. وكلٌ في فلكِ عشقك يسبحون.

عزيزي -ويوما ما ستعلم ماذا يعني أن أقول لك عزيزي- تُرى لو لم نلتقِ تلك الليلة (الليلة التي ما زلت أحلم بها) .. لو لم يكن القمر في بدره متمردًا يومها .. لو لم يبقَ عابقا في مدارك .. عالقا في روحي .. لو لم يسمح تقويمك بالتقاءه وخسوفي .. لو لم يأذن جمالك بحضوره .. ماذا كان ليحدث؟!!

باللهِ لو لم يكن الحبيب وطنا وواحة دفء فما فائدة الأشياء؟!!

أتعلم لقد زرعتك بين أطراف أناملي وردًا .. فكيف تفر من بينها وجذورك ثابتة؟!!

سيدي ها أنا لا أروم النوم دونك .. نفس الحروب المشتعلة في ذاكرتي مجددًا وكعادتي انهزم أمام نظرتك .. تائهةً بين السحاب الأبيض حول بؤبؤيك .. وبين السلام الأخضر في نظرتك .. وبين نجمي المشتعل بالحنين .. الحنين لشخصٍ لم التقِ به بعد.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights