أمي سمحة
بقلم : أسماء بنت جمعه المخينية “الغبر”
في عتمة الليل الحالك السواد تلتطم أمواج القدر بأمي “سمحة” فيفتل شراعها ويتلف حطامها وتنثقب السماء لتسكب همائل ماءها معلنة بأيامٍ آتية تلوح بكمد الحياة وصراعها.
أمي “سمحة” تلك الكبيرة العظيمة التي جالت وصالت في بحار الدنيا وكفاح الزمن وغزاها شيب السنين .. وأكوام الدهر، سفينة الصعاب .. وحمالة التعب، عينا لا تغمض في أجاج الماء ولا تعطش في صحراء حثواء، ولها في خارطة الأمس العتيق مآب .. وفي عنفوانية اليوم مهاب. تمتشق من سيف الظروف السلام والأمان .. وتموج براكبيها عبور السهل والاطمئنان. هي “سمحة” أسطورة عشائرها وإمبراطورية كنايتها زانت وتفردت بخنجوريتها المشتهرة بها فأصبحت بلقيسا في إطلالتها وكلثومية في كلامها .. تلك هي أمي “سمحة” قصة تجسدت في قصص الحياة الصورية الشامخة بشعبانية الأجيال، سقيا سكيكرة، رايح (تجمع) الصديقات الرمضانية، قرآن بنت الزقام .. وداعية البحارة ولقاءهم .. قيض الصيف .. موسم الانتقال الصيفي .. مريحانة العيد .. طقوس الأضحى؛ مغياض العروس، سكينة البنات، تمهيد المولود …. إلخ. من سنن العادات والتقاليد المنعشة للروح والندية للقلب والدائمة للذهن والخالدة للغد، ولأمي “سمحة” خاصية المشاعر السامية والأحاسيس العميقة والأمان العاطفي لكل من يعرفها .. كريمة اليدين صريحة اللسان .. ولها من الصوت العذب في تلاحين الطرب مذهب .. تحب الحياة بتفاصيلها الجميلة وتغاريدها الحنينة وتخضب يداها لتصافح صرعات الأيام بكل جلد وحزم.
لا يبقى هذا العالم على حاله ولا تمر السنون على ما نشتهي فلا بد من مغادرة الأمس ليأتي اليوم ومفارقة اليوم ليحل الغد فتشيب اللحى وتبدأ ريشة العمر برسم ملامح الترامي على جباة الصخور الصلبة والأيدي الغليظة .. وتهب الرياح العاتية بهبوها اللهوب لتوهن القوة والهمة والعناد الأزلي، ومن وحي الرضا بالقضاء والقدر.
بنوخ الابتلاء عزائمه ليمزق اليل بأنَّاته والنهار بوناته وتمضي الدنيا المائجة في عراك الأزمات الصحية على ارتجاف واهن وهزال دائم ثم تسير المنايا على خطاها حتى ترابض الأرواح التي حق عليها القول وتؤخر الأخرى إلى أجلٍ مسمى.