2024
Adsense
القصص والروايات

موسم حصاد الرمان

بقلم : منال السيد حسن

لم يكن يوما عاديا .. أسميته “موسم حصاد الرمان”؛ اعتدتُ أن أخلق معه حديثاً في كل صباح و لم يكن يعنيني رده أو عدمه بحكم أشياء يعلمها كلانا -و إن كان و يظل يعنيني اهتمامه- .. و هو يعلم أن كلاماً يبقى بيننا و إن شغلته عني الأشياء كلها .. لا ينقطع -و هذا سر علاقتي به-.

اعتدت أن أبقى على قيد رؤيته متصلاً على برنامج “الواتس آب” -و لو لم نتكلم- .. هكذا أبقى على تواصلٍ معه .. لا أخرج أبداً طوال فترة اتصاله خشية أن أقطع روابط الصلة بين روحي و روحه .. -حتى لو لم نتكلم-.

معظم الأيام التي أفعل فيها ذلك أشعر بأني امرأة حمقاء و لكنني أتلذذ بذلك حين أفقه ماذا يعني انتظاره و آهٌ منه لو يعلمون!! تُرى ما هو طعم نجمٍ مشتعل؟!! .. و ماذا يعني انصهاره بالداخل؟!! انصهاره حتى أن داخلك يثور على نفسه داخل ثقبٍ أعلاه فوهة تشبه فوهةَ بركانٍ غاضب .. -غاضب من غيابه- .. كل يومٍ يدَّعي أن لا سلطة تعلو على انفجاره .. و لكنه يخمد حين يتلمسه طيفه -طيفه الذي لا يُفلتني أبدا-.

حسناً؛ في هذا اليوم بالتحديد حملتُ هاتفي و”صحن الرمان” الذي تناولته في ذلك الوقت من أجل حميتي الغذائية -حميتي التي أهتم بها كثيراً هذه المرة لأجله- حتى و لو لم يكن هنا و لو لا أراه.

خرجت من شقتي متجهةً إلى العمل .. و لا أخفي عليكم كل مشاعري تلتهب كجمرة خبأتها في صدري منذ راسلته صباحاً و فور استيقاظي ولكنه غالباً لا يرد .. لا يهمني كثيراً عدم رده -لأني أقدر جيداً لماذا- بقدر ما يهمني انتظاره .. يعجبني طعم انتظاره!!.

مشاعر متأججة داخلي .. -أدرك جيدا كيف أخفيها عن العالمين .. و حين أراه أبتلع ريقي لأخفي هشاشتي .. و لكنه يتكشفني في هدوءٍ عجيب-
جلست على مكتبي وبدأت بفتح -النوت بوك -الإلكتروني خاصتي لأقوم بمراجعة مهام عملي أثناء تناولي الفطور .. خطر على روحي أنه ربما يحب الرمان أو ربما لأني أعتدت صباحاً أن أشاركه فطوري – و لو لم يكن معي- فهو معي .. أرسلت له صورته و معه صورة لي -خيل إلي أني أراسله- !! .. لا أدري حقيقة لماذا أرسلت له صورتي هذه بالتحديد .. و لكن لفت إنتباهي أنه سيحب تناسق ألوانها مثلي .. و بالفعل لم يستطع التفريق بين صورتي و صورة الرمان حسب قوله -و لو لم يقل شيئا- !!
تبادلنا أطراف الحديث و أنا أعمل و أبتسم -خيل إلي أنه يحادثني- !!

غازلني كعادته حين يكون مزاجه حلواً يشبهه .. غازلني كأنه يراقصني في ليلةٍ حالكة الظلام دون أن يلامسني و لا أراه .. كان بعض من طيفه و كل مني .. كأن طاقة ضوئية تنتج عن دوراني بين يديه و أنا أتمايل تارة هنا و تارة هناك.

تأجج بركان تحت لساني .. و كم أرجو أن يشهد على تأججه مرةً ما!. يتأجج و بكل طواعية يلبي و يستسلم لفوضاه التي تجوبني.

صار “للرمان” مذاقاً خاصاً وقتها .. أتناول ملعقةً وتُخيل لي أشياءٌ وحدنا نعلمها .. أنا و هو -حتى و لو أننا لم نفعلها أبداً- هو في قلبي .. و وحده رجلٌ مثله يدرك ماذا يعني أن تُحَط رحال رجلٌ مثله في قلبي.

تنتشي به عصافير في صدري.. عصافيرٌ كانت على وشك أن تهجر أعشاشها .. سكناه في روحي تعني بقاءه .. تعني أنني لستُ واهمةً أبداً .. أنا أدركه بحواسِّي كلها!.

انتهيت من تناول حبات الرمان التي لم يستطع أن يفرق بينها و بيني على حد قوله .. كان وجوده يعني عودة الربيع لروحي .. أيعلم أحدكم كيف لشجرةٍ -في كل مرة توشك أغصانها على الذبول- تعود نضرة في حضوره؟! .. تعود شجرة!!
…التقينا؛ تناول بضعٍ من حبات الرمان التي أعددتها مجدداً لأجله و أعجبه طعمها كثيراً -و لو أن هذا لم يحدث أبداً- كأنه يحصد ثمرات الرمان التي زرعتها في وقت سابق -و أنا التي اعتدت على زراعة ثمرة معينة يحبها كل يومٍ صباحاً .. في كلِ مرةٍ يختلف نوعها حسب طلبه- في كلِ مرةٍ أراه يعزف إبتسامةً ما في روحي .. و في هذه المرة أيقنت أننا نلتقي هكذا لأننا صادقين هكذا .. لأننا نحب هكذا .. لأننا حقيقيون هكذا .. لأنه لا حياةً دونه هكذا .. كل العالم يختفي من حولنا و يبقى كلانا هكذا .. يرحل الجميع مني و يبقى هو يشرق في سمائي مثل قمر يهطل بالبياض.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights