وبالوالدين إحساناً
بقلم : بدرية بنت حمد السيابية
تمر بنا الأيام والسنون سريعة ونحن في غفلة ولهو، شغلتنا الحياة وملذاتها، وتركنا كنزاً ثميناً هو هدية السماء لنا، وسرّ سعادتنا ومصدر فرحنا في حياتنا والسبب في وجودنا؛ نعم إنهما الوالدان، إنهما من تعبا لأجلنا وسهرا وقاسا أنواع التعب من أجل إسعادنا وتوفير المأكل والمشرب والمسكن لنا، ضحوا بأجمل أوقات سعادتهما من أجلنا.
تمضي الأيام سريعةً أمام أعيننا، والإنسان لابد أن يكون له رصيدْ في حياته، ليعود إليه بالخير، وهناك أمثلة كثيرة لتزرع خيرا لتحصد ثماره في يومٍ من الأيام، يذكرونك به .. حتى بعد مماتك، هناك نعم كثيرة وهبها المولى عز وجل للإنسان، والشكر واجب في السراء والضراء، دائما هناك دعوات طيبة من قلوب أحبتنا، مهما كنا مقصرين في تأدية الواجب نحوهما، فما زالوا يكنون لنا الحب والمودة، دون مقابل فهم سر السعادة في حياتنا.
إن من أجمل النعم التي منَّ الله بها علينا هي نعمة الوالدين، وجودهما في حياتنا يعني الأمان وسر السعادة، فهنيئا لمن والداه على قيد الحياة، ورحم الله من غادرتنا أرواحهم ولا ننسى أنه لولاهم لما كان لنا أصل في الوجود، طاعتهم واجبة ورضاهم مقدس فهو من رضى الرحمن، (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) “سورة الإسراء .. آية رقم ٢٣”، فما أجمل وجودهما بيننا، تطيب النفس لرؤيتهم والاستماع لحديثهما، ما أروع ضحكاتهما وما أجمل مداعباتهما، وذلك الدعاء الطيب. يعلّماننا تعاليمَ الدين الحنيف تعليما وحفظا وتأديبا، جاعلين فينا أن رسولنا الكريم هو قدوتنا الحسنة، غارسين فينا الصدق والأمانة وحب الخير.
وطاعة الوالدين واجبة فقد حرص الإسلام على بر الوالدين وقرن ذلك بطاعة الله، فقد أولى الإسلام موضوع بر الوالدين اهتماما عظيما فجعل البر بعد الصلاة المكتوبة، قال الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) “سورة البقرة .. آية رقم ٨٣ ، وقوله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) “سورة النساء .. آية رقم ٣٦”.
الأبُ: طيبٌ قلبهُ كجوهرة الماس تضيء هذا الكون بجمالها وروعتها، كنجم يتلألأ في سماء صافية في عتمة الليل، ذلكم الأب الحنون الذي ما يدخر جهده؛ يواصل عمله ليل نهار من أجل توفير العيش المريح والرزق الحلال لأولاده ومن يعيل. وتكتمل الفرحة باجتماعنا معاً على مائدة الطعام، وتعلوا ضحكاتنا في ليالي السمر، نتعلم منه الكثير فقد صقلت الحياة مواهبه، تعلم وكابد وصبر وظفر، يعطينا خلاصة حياته على شكل قصة أو موعظة فلله درّه.
يقول إيليا أبو ماضي:
“طوى بعض نفسي إذ طواك الثرى عني .. وذا بعضها الثاني يفيض به جفني
أبي خانني فيك الرّدى فتقوضت .. مقاصير أحلامي كبيت من التبْن”.
الأم: شمعة البيت وريحانة الحياة وزهرة العمر، تملأ البيت بنورها الوضّاء وابتسامتها التي تبث الراحة والسرور، هي الإنسانة التي تضحي براحتها وحياتها من أجل إسعاد زوجها وأولادها، تحمّلت آلام الحمل والولادة والسهر، هي جنة الدنيا والآخرة؛ فقد ذكرها رسولنا الكريم حين قال “أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك” و “الجنّةُ تحت أقدام الأمهات”.
“العيش ماضٍ فأكرم والديك به .. والأم أولى بإكرامٍ وإحسان.
وحسبها الحمل والإرضاع تدمنه .. أمران بالفضل نالا كل إنسان”.
وحقا ما يؤسف له سماع قصص عن إهمال الوالدين وعدم السؤال عنهما، وتركهما يعيشان بملحق صغير ضيق وعدم مشاركتهما في الحياة، وكأنهما مرض معدي، فتجد البعض أنه بمجرد حصوله على الوظيفة أو بمجرد زواجه ينسى والديه من زيارة ومراعاة والقيام بشؤونهما، نسوا أو تناسوا ما قاساه من أجل تربيتهم وما قدّماه من تضحيات ليصلوا إلى ما وصلوا إليه، نسوا قول الله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) “سورة النساء .. آية رقم ٣٦” وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أرضى والديه فقد أرضى الله، ومن أسخط والديه فقد أسخط الله) {البخاري}.
وبر الوالدين شرط من شروط الإيمان بالله، برّهما أقل واجب نستطيع أن نقدمه لهما، فكما أعطونا حقّنا في ضعفنا لا يجب أن ننسى حقهما في ضعفهما، فبرهما طريق الجنة، قال تعالى: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيراً) “سورة الإسراء .. آية ٢٣-٢٥” ، والحياةُ أخذٌ وعطاء .. وكما نريد أن يبرّ بنا أولادنا يجب أن نبرّ بآبائنا، فبرهما جاء بعد العبادة مباشرة كما نصت عليه الآية الكريمة، فلنظهر الود لهما ونعمل جاهدين لإدخال السرور لقلبيهما، لا نرفع صوتنا بحضرتِهما، فمن قال “أف” فقد عقّ والديه.
قال الشاعر مجدي العوضي:
“حبي إليهم لا يضاهي ماعدا .. حبي لربي والنبي محمدا.
أبوايا لو جادوا علينا بالرضا .. يكن الطريق إلى الجنان ممهدا.
أبوايا كنتم على الدوام تناضلا .. كي تجعلوني بين قومي سيدا”.
فكلمة أوجهها إلى أؤلئك الشباب الذين أهملوا آبائهم أن يبروا بهم ويحرصوا على القيام بواجباتهم تجاه والديهم وأسأل الله أن يمد الصحة والعافية للأحياء وأن يغفر لمن توفاه الله .. ويسكنهما فسيح جناته.