الرسائل الـ “واتس آبية” من تعني؟
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
شكل ظهور الرسائل المتداولة عبر خدمة الـ “واتس آب” ظاهرة مهمة في حياة الناس، وعدوها نقلة نوعية في سبيل التواصل الذي تأزم تفاعله ما قبل ذلك، وإن كان هذا التواصل يوصف دوما بأنه مقطوع الوصال، والأسباب كثيرة، والذين ينظرون في شأنه وضرورة بقائه متفاعلا طوال الأربع والعشرين ساعة في اليوم، وسبعة أيام في الأسبوع، وثلاثين يوما في الشهر، وكأن الناس ليس عندهم أعمال غير التواصل المحموم بالاجتماعية فقط، وحتى ذلك التواصل الذي يتحدث عنه البعض اليوم عن من سبقنا لم يكن بهذه الصورة المبالغ فيها، نعم كان هناك تواصل، ولكنه لا يتعدى مرة واحدة في العام الكامل؛ قياسا بوسيلة التواصل المتاحة في ذلك الوقت، وهي الدابة، سواء كانت جملا أو حمارا، والخيل للأغنياء، لذلك يعيش اليوم الناس في نعمة كبيرة لوجود هذه الثورة الاتصالية التي تجاوزت كل سنن الاتصال عما سبقها من قبل، وربما القادم سيفضي إلى الكثير من الوسائل ربما غير المتخيلة الآن، كما كنا لم نتصور ما نحن عليه اليوم قبل عشرين عاما من الزمان، على سبيل المثال.
مع ذلك يشار إلى الوسائل الحديثة اليوم، وعلى الرغم من الخدمات الاتصالية التي تقدمها، بالكثير من العيوب، وبأنها أساءت بقدر ما قدمت من خدمات، ومن ذلك – كما يقال – ضيقت أفق “حدود التفكير” لم يعد الناس يجهدون الفكر في البحث عن كلمات، على سبيل المثال، ولم يبحثوا عن كتب يستقون منها العبارات الجميلة والمعبرة، كما هو الحال في المعلومات الموجودة عند المعلم “جوجل” والتي أقرب ما يكون سرقتها من ما يسمون انفسهم “باحثين” وهناك من ينظر إليها على أن الرسائل التي يتم تداولها لا تعبر عن خصوصية علائقية بين أي طرفين يتواصلان عبر هذه الرسائل المتداولة، لأن من كتبها قد يكون يصل رقمه ضمن العشرة آلاف إنسان بعدد الذين تداولوا هذه الرسالة أو تلك، وقس على ذلك كثرة هذه الرسائل المتداولة في اليوم الواحد، وتكرارها بين المجموعات، وقد تتكرر مرة ثانية وثالثة في الأسبوع الواحد، أو الشهر الواحد، في صورة تلغي عنها التميز، والتفرد، وصدق العاطفة، وسلامة التوجه، هذه مجموعة “نعوت” موجهة إلى جل هذه الر سائل، ولذلك هناك من يحرص – للخروج من هذا المأزق الاتهامي – بصياغة رسائله الخاصة، ولكن الخسارة هنا، حتى هذه الصياغة المجتهد فيها صاحبها لا يلتفت إليها، وتضمن ضمن هذه القائمة الطويلة العريضة الكثيرة في جملة الرسائل المتداولة في اليوم الواحد.
واجابة على السؤال المطروح في العنوان؛ فإن هذه الرسائل لا تعني أحد منا، لا من قريب ولا من بعيد، كما هو حال الورقة النقدية، هي لا تعنيك كشخص في شيء، وانما تجسر علاقتك مع الطرف الآخر، سواء كان هذا الطرف بائع، أو شاري، فكما وصلت إليك الورقة النقدية مهما كانت قيمتها، فإن ذات الورقة تصل إلى كم لا نهائي من الناس، سواء في محيط جغرافيتك المحدودة، أو على امتداد الكرة الأرضية، فالورقة النقدية التي تحملها بين يديك في لحظة تعاملك مع الآخر، هي نفس المعنى والقيمة التي تحملها بين دفتي بطاقة الائتمان التي تسافر بها حول العالم، وتؤدي لك نفس الغرض، وبالتالي تبقى هذه الرسائل وسيلة نظرية للتواصل ولا تعبر عن مكنون وجداني صادق وخاص بين طرفين فقط.