من رسائلي المخبأة في دفتري القديم
منال السيد حسن
عزيزي/ … الذي يعلم نفسه
تحية إليك أينما كنت.
أما بعد،،،
جلستُ في مكاني المفضل -مكاني الذي لا يعلمهُ إلا كلانا- كنت أشتاقك كثيرا .. كثيرا جددددا حد أنني لامست أعقاب سجائرُكَ التي أحتفظ بها و تذكرت حينها بيتا للجميل نزار حين قال بمرارة الفقد و ألمه في وصفه لسيجارة “الكنت” لحبيبته بلقيس ” حتى سجارتُكِ التي أشعلتِها لم تنطفئ و دخانها ما زال يرفض أن يُسافر” و بنفس الألم و المرارة كنت ألامس أعقابَ سجائِرُكَ و أنا أنتفض من فرط اشتياقي .. مزيج من شعور الألم لغيابك و الحنين إليك .. كنت بحاجةٍ لأن أكتب لك .. لم أعلم وقتها على وجه التحديد ما الذي أريد أن أكتبه .. و لكن الكتابةَ إليكَ في حد ذاتِها كانت بمثابة رؤيتك .. أنا أكتب إليكَ لأراك.
حسنا؛ فتحت “النوت بوك” خاصتك .. تلك التي لا أفتحها إلا حين يصل الشوق بي حد عدد الأنفاس التي تتنفسني في غيابك .. ها أنا لا أدري هل أنا التي سأكتب أم القلم سيكتبني؟!! .. و بكل ارتعاش النبض في دواخلي أردت أن أكتب “أحبك” وقفتُ على حافة حرف “الباء” وجلةً و مضطربة .. أعجز عن حقي فيما أملك من استخدام “الحاء” بعدها و كل مدارات الورقة تخشى سن القلم إذا أعاد كتابة “الباء” بعدها ..
و ما بال القلب إذ يرتجف خشية أن أختم بحرف “الكاف” بعدهم .. و لا كفى عن ذلك إن شددت عليه.. فكلما شددت عليه اشتعل داخلي.
هذا و إني بحق هذه الحروف الأربعة .. اللواتي بدونها ما زار السلام قلبي .. و إنه و لأنك يا أنت أنت .. و لأن القلب الذي وطأت به سيبقى لك .. كتبت إليك “أحبك” و أنا أنتظرك بفارغ الحنين و الشوق.
كتبتُ أشتاقُكَ.
كتبتُ؛
أنا هنا إلى جوارك دائما، حين تشتد بك الأوقات .. حين تمر بك الأزمات – التي أنا واثقة من أنك ستعبرها و إن صعبت- كوني جوارك.!
أنا هنا أشعر بك دائما .. سأقتات في غيابك من حلو الأوقات التي تعايشناها سويا و إن كان الغياب مرا.
أنا هنا حين تفتقدني و حين تملني و حين تضيق بك الدنيا – لا أذاقك الله ضيقها أبدا-
أنا هنا حين تفرح و حين تغضب و حين تثور .. ستجدني أربت على كتفك، أنظر بداخل مقلتيك أرى حنانك فأبثك إياه .. ستجدني واحةً و متكأ طوال الطريق.
أنا هنا أترجم أوقات الغياب لكل شيء يكون سببا في ذلك إلا أنك غائب .. و أدعوا لك طوال الوقت أن يهبك الله السلام الجميل .. و أن يمن عليك بلطفه وقت الحاجة.
أنا هنا دوما رهن ابتسامتك و قيد رغبتك .. فقلبني بين كفيك كيفما شئت و بكل حب و ود أبتسم و أطيع .. فقط لأراك مبتسما هانئا أبدا.
كنت أصبر؟ نعم و كثيرا؛ كان مفهوم الصبر لدي هو الصبر في معناه اللغوي .. و منذ أحببتك و أنا أتذوق معناه الاصطلاحي .. ذاك الذي يبرهن الرضا كله على ما أصبر لأجله .. و لأجلك.
كنت أظن أنه على ما يبدو أن وجودك سيشعرني بالجمال و لكني تيقنت أنه الجمال بحد ذاته.
كعادتي كل ليلة أعيد قراءة الرسائل التي بيننا و التي تبثني كل فرح الدنيا .. أقرؤها وأنا أراك متجسدا بين الحروف .. تضحك لي و تنصحني و تبتسم.
أقرؤها وكأن رأسي مسندة على كتفك و يدك تداعب خصلات شعري و تهمس لي محبا .. لم يقتصر الأمر على ذلك فقط .. فصباحا أيضا اعتدت أن أعيد قراءتها لأبدأ يومي بكل لطفٍ و جمال و هدوء.
لا أدري حقيقة لماذا كل بداية ليلٍ أراك تسكن الفراغ و الخواء حولي .. تسكنني!!
تشرع عيوني في الهرب منك .. أحاول جاهدة أن أحيد عن نظراتك المترامية حولي و لا محيص.
أتمعن النظر إلى ابتسامتك .. أراها فتبتسم لي الدنيا.
أشعر أنك تعانق شغاف قلبي في ود أنيق .. و تبلل وجعي بعطفك و حنانك حتى تذيبه .. فأبقى مشدوهة إليك و لا أستطيع النوم.
ألا ليتك تظل إلى جواري!! .. أحتضن وسادتي في حنين لا ينام و إذ أنك بين ذراعاي .. ثماثلني الإحتضان بكل هدوء و نقاء و بهاء.
تهبني مساحاتٍ واسعة من الثقة البيضاء .. و تفرش لي الطريق إليها حلو صمتك في الحديث .. و جراءة نظراتك في أشد لحظاتك خجلا.
أستعيد قراءة الرسائل التي بيننا كي أهدأ أو أشعر بالنعاس و لكنِّي أستفيض حنينا يشتعل.
أحاول أن أستعيض الشعور و أغمر عيوني بالغطاء .. فأراك تحلق في سماءه و تبتسم لي .. إنها ابتسامتك التي تغمرني بالدفء و الأمان .. و تنفث في جرعات من الصبر الذي أأكل في خشاشه حتى ألقاه ثانيةً فأصبِّر نفسي و أغط في سبات كله أنت.
رجوت الله أن نلتقي في أحلامي -أحلامي التي قبلك كنت أخشاها كثيرا .. أخشاها لأنها تتحقق – جميعها يتحقق- .. و التقينا و كانت أجمل “غابة خيزران” رأيتها في حياتي.
كنت أرتدي فستانا أزرقا قصير .. و جسدي منبسط بهدوء على الحشائش الخضراء .. شجيرات من البرتقال و الليمون الأخضر يحوطها الياسمين .. القرنفل .. الغاردينيا .. الليلك .. البنفسج .. الزنبق و السوسن، تتوسطهم جميعا زهرات عباد الشمس المبهجة و المحببة منهن جميعا إلى قلبي .. وحول جسدي نبتت أقحواناتك البيضاء.
قمتُ صباحا وقتها و أنا على يقينٍ تام بأنكَ وحدك الذي منحني أشياءً حقيقية في وسط الزيف القابع حولي .. أشياءً و إن رحلتَ عني فلن ترحل هي مني .. أشياءً تجعلني أشعر أن العالم لا زال بخير.
لقد كتبتك في دفاتري القديمة .. و زرعتك بين تفاصيل السطور .. دفاتري التي خبأتها في صدري و وضعت على إسمك بها وردةً تشبهك.
في كلِ حلمٍ كنت أوشك فيه على الضياع أتمسك بممرك المضيء .. مساحة جميلة من السكينة.
أكتبُ إليك و أنا لا أمل السرد لا عنك و لا عنك .. حتى و إن مللتَ القراءة رُغم أنك قلت لي ذات مرة “أنك لا تمل سماعي” و وحدك من برهنت على هذا بجميلِ فعلك.
الرافعي الجميل يقول “لستُ أفهم معنى الحب إلا أنَّ الروح اهتدت إلى شيء من سر الإنسانية في إنسان جميل قد استطاع بجماله أن يُهديها هذا السر !”
و بك عرفت معنى هذا السر .. آمنت بأنك أبهى و أنبل من عرفت و لو لم تكن إلى جواري .. أكتب لأقول أنك الأكثر تجسيدا لكل معاني الجمال .. الأكثر تمثيلا لكل معاني الإنسانية و الرحمة .. ابتسامةٌ لطيفةٌ منك تؤكد لي أن العالم لا زال بخير .. نظرة رضا منك ترسم لي كل ألوان السعادة .. بساطتك وحدها تجعلني أشعر أني في مساحة واسعة من الهدوء و الصفاء.
أكتب لأخبرك بأن الحياة مهما ضربتني بقوة في وجهي .. ستبقى أنت ملاذي و وجهتي .. ابتسامتك التي مجرد أن أستشعرها -و إن لم أكن أراك- كفيلة بأن تنير الطريق من حولي و تضفي على روحي السكينة و البهجة ..
أكتبُ لأقول بأنك زرعتَ من حولي الأمان .. جعلتني أشعر بأني لست مضطرة لأن أتجمل أمامك أو أتبرأ من شيء و لا أن أرتدي معطف الكمال .. كنت أتعرى أمامك عن كل ما يخجلني .. أحكي إليك ما أعلم أنك ستدركه و تبتسم.
كانت يدك وحدها حين ألامسها كفيلة بأن تحتوي آلامي .. أضم نفسي بداخلها كأنني ألجأ إليها و أعتصم بها .. كأنها شفائي .. يدك التي حين ألامسها أشعر بأنني أسكن في خطوطها .. كل مسار بها نهرٌ للحياة.
أكتب لأسألهم .. ماذا سيضير العالم لو يصبح كله أنت؟!!
مخلصتك