أنا إبن أبي
علي بن مبارك اليعربي
ونحن صغار كنا نستمع لأمثال تتردد بين الفينة والأخرى، نقف على بعضها ونعي معناها، و تمر علينا أخرى ولا نفقه مغزاها. وهناك مثل يتردد على آذاننا كثيرا كلما فارق أحد الجيران أو الأقارب الحياة و أخذ إلى مثواه إللي خلف ما مات لذلك فهمناه و أيقنا أن من مات ولديه نسل من صلبه وخاصة الذكر لا يعد من الأموات لأن اسمه لا يختفي من الدنيا كجسده بل ينتسب إليه أبناؤه وأحفاده و أبناء أحفاده وهكذا تتشكل الجماعة من البداية.
انطلاقا من الأُسْرَة- الفَصِيْلَة – العَشِيْرَة- الفَخْذ- البَطْن- العِمَارَة -القبيلة – والشعب …
ولست هنا في موضع تفسير هذه المسميات بل لنرتبها حسب أولويتها شرعا ومنهجا خاصة إذا علمنا أن الله خلق سيدنا وأبانا آدم عليه السلام وخلق حواء من ضلعه، لهذا فنحن جميعا من نسل آدم ولهذا كان نداء المولى عز وجل لجميع خلقه من البشر في محكم التنزيل ” يَا بني آدم لا يفتننكم الشيطان…” الآية (٢٧) من سورة الأعراف
أي أن الله – جل في علاه- قد أرجع نسبنا إلى أبينا آدم ولم يسمِ كلا منا بقبيلته أو بنسبه لشعبه. كما أنه سبحانه وتعالى بين لنا أيضا لمَ كانت العشائر و القبائل والشعوب في قوله تعالى “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” (13) من سورة الحجرات
فالشعوب ،والقبائل ، والعمارة ،والبطن ،والفخيذة، والعشيرة ،و الفصيلة، والأسرة ، كلها تتفاعل لتكون نسيجا كونيا يسهل التعرف على مكونه البشري والتعامل معه والحفاظ على الروابط الأسرية والتي هي أساس المكونات الاجتماعية آنفة الذكر.
و ليرينا خالق هذا الكون قدرته وحكمته وعلمه بما تسر أو تعلن به ضمائر خلقه من البشر وما يحدثون به أنفسهم.
لذلك سن القوانين والأنظمة لتسيير حياتهم و حفظ حقوقهم في المواريث وغيرها من أمور الحياة الأخرى كالحفاظ على الجنس والنوع وليقيهم من تداخل النسل و يبعد عنهم زواج المحارم لتوسيع دائرة العلاقات الاجتماعية ليلامس واقعهم البشري بفطرتهم الاجتماعية فأثبت ذلك في قوله سبحانه وتعالى “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا” (1) في سورة (النساء)
و منذ عصر الجاهلية يتفاخر الناس بقبائلهم وأحسابهم وأنسابهم حتى جاء الدين الحنيف ونهى عن تلك النعرات القبلية و التعصبات المتمثلة بالتفاخر بالأحساب و الأنساب والطعن فيها. فأطلق عليها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام اسم (الجاهلية)، لذا أمرنا بالابتعاد عن هذه الأمور التي -وبكل تأكيد- تولد الحقد والحسد والبغضاء بين بني البشر، وحتى عندما أمرنا وحثنا على التزاوج والتناسل طالبنا بعدم النظر إلى مال المرأة أو جمالها أو حسبها بقدر نظرنا إلى دينها في قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) .
وعندما يوصف الإنسان ذكرا كان أم أنثى يقال فلان ذو حسب ونسب لا يقال فلان ذو القبيلة الفلانية فقدم الحسب قبل النسب وقدم النسب قبل القبيلة، وهذا ما يجب أن يكون عليه الفرد منا. فالمقصود بالحسب
هو رصيد الإنسان من سمعة وكرم ونخوة وغيره من الصفات. وأما النسب فهم أقارب الإنسان نفسه كأمه و أبيه وابنه وابنته وكل من كان بينه صلة رحم من قبل أبيه أو أمه أي رابط بين الولد أوالوالد و ما أصله ؟و لأي قبيلة ينتمي؟
و قد كانت العرب تفتخر بأجدادها وأنسابها كأن يقول مثلا أنا فلان بن فلان بن فلان حتى يصل الى اسم القبيلة عكس ما يحصل في الوقت الراهن
حيث يقرن اسمه بقبيلته مباشرة وأصبح الأمر مستسهلا لدى الجميع بحجة أننا نعيش في عصر السرعة كما يحلو للبعض تسميته ولا يذكر اسم الأب والجد إلا في وثائقه الرسمية ويكاد لا يعرف من أي جد ينحدر نسبه، وتجاهلنا ما وصى به رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم -بأن تنكح المرأة لحسبها لا لنسبها فقط أي لأخلاقها.
فتغييب الأب والجد و إحلال القبيلة محلهما سيصبح لا ذكر لهما بعد مماتهم ويكون الأمر سيان خلف الرجل ابنا أم لم يكن له ذلك. فمما يؤسف له أنه عندما يسأل الفرد منا عن اسمه يقول وبدون أي تردد 🙁 أنا فلان الفلاني) وكأنه نسب نفسه إلى كل أفراد القبيلة.
كن فطنا وتوخَ الحذر صديقي فأنت لست كذلك كلا وحاشا أن تكون كما ذكرت. فأنت فلان بن فلان بن فلان… (الفلاني) وما القبيلة إلا انتماء و وسيلة لتوثيق الصلة والترابط الاجتماعي. لهذا قل أنا فلان بن فلان بن فلان الفلاني ولا تزهق روح آبائك وأجدادك وتتنصل منهم أحياء و أمواتا ، وتفقد حسبك ونسبك وستبقى معلقا بخيط رفيع لا سلسلة متينة تصلك بالقبيلة.
فكن حقا ابن أبيك