تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

ثلاثون ثانية

علياء العامرية

أقِفُ أمام مِرآة غُرفتي، أنظرُ بتمعن إلى فتاة جميلة جداً تقبعُ خلف زجاج المرآة، فتاة ذات عينين سوداوين، أنف متوسط الطول، فم متوسط، شفاه مُسترخية بهدوء تام، ووجه بيضاوي مليء بحبيبات الشباب وتجاعيد الشيب، وجه يحمل التناقضات جميعها.
وقبل أن أتحدث مع ذلك الوجه الملائكي العجوز شخصتُ بصري إلى هالاته السوداء، ثُم حولتُ بصري إلى العيون التي أُحِب بصمت مُطبق.

جميلةٌ أنا، جميلةٌ بالنسبة لي على الأقل، ابتسامتي تسحرني، تجذبني، تُلقي بعصاها السحرية فإذا بنبضات قلبي مطرقةٍ تطرق أبواب الحياة.
يُقالُ بأن حديث العيون أكثر صدقاً من حديث الشفاه، ولكن ماذا يُقال عن عينين صامتتين، عينين تنضحان بالحب وتنبضان بالحياة؟
بدأت بالحديث بقولي: احم ليس لدي إلا نصف دقيقة، ثلاثون ثانية تحديداً، فأنا قد اعتدت على مُواكبة عصر السرعة الذي يستطيع فيه المرء أن يوصل فكرةً في ثانيةٍ واحدةٍ فقط، أحبكِ يا أنا، أحب ابتسامتك النابضة بالحياة، وجهك الملائكي رغم سحنته السمراء المائلة للبياض، أحبك رغم تجاعيد الشيب، رغم الهالات السوداء تحت عينيك.
انتهت الثلاثون ثانية بسرعة، لم أشبع مني بعد، أووه، ثلاثون ثانية أخرى لا تضر، اقتربتُ من المرآة أكثر، احتضنتها، أخذتُ أمسح عن وجهي القابع خلف زجاجها تجاعيد الشيب التي تغطيه لأعيد له نضارته.
وفي ذات حلم يقظة أخذتُ شيءً من بذور روحي، فغرستها، وبماءِ الحُب رويتها، ومن تُراب الحياة وثاني أكسيد كربونها تغذت حتى أصبحت شجرةً فارهة الطول والجمال، واليوم هو يوم حصاد ثمارها.
أخذتُ الثمار، ووزعّتها على التائهين في شوارع الحياة، على الفقراء الذين لا يمتلكون لقمة أمل يسدوّن بها جوعهم وعطشهم، على سُجناء الحزن والألم، ها هي روحي المفعمة بالحياة، أُقدمها لكم وجبةً لذيذةً تُحييكم، كلوا من طيباتها واشربوا وقروّا عينا، ولكن لا تُعيدوا لها تلك التجاعيد البائسة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights