تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

بين هاتفي وقلمي

حمدان بن سعيد العلوي

خرجت ذات يوم للتسوق وقضاء بعض الأعمال ، وفي منتصف الطريق تذكرت بأن هاتفي في المنزل ، واتخذت قراري بأن أكمل بدونه بما أن مشواري لن يتعدى ساعة من الزمن ، وعندما وصلت إلى وجهتي تذكرت بأنني بحاجة للاتصال بزميلي في العمل لأخبره بأني في إجازة وقد تركت ملفا مهما في خزانة المكتب ، قلت في نفسي سأخبره بعد ساعة حينما أعود ، في هذه اللحظات عادت بي الذاكرة لمقال الأخ العزيز الكاتب والأديب السوري المقيم في السلطنة الأستاذ حسني النجار حين نسي هاتفه في مكتبه آخر يوم من الأسبوع وما ترتب عليه من تأجيل أعمال كثيرة ومهمة مرتبطة بالهاتف ، ومعاناته وحيدا بدون رفيق دربه ( هاتفه ) الذي لا غنى عنه في زمننا هذا ، وكيف كان يومه ، ووصفه لحالته النفسية والقلق الذي صاحبه ، ولكن لا مجال للمقارنة بما أنني لن أفارق هاتفي لأكثر من ساعة ، فأخذت قلمي وورقة مهملة في السيارة ، بدأت أكتب هذا المقال بخط يدي فأدركت بأنني أواجه صعوبة للغاية فقد هجرت الكتابة باستخدام القلم الذي قلما استعمله إلا للتوقيع على المعاملات ، وأهمية القلم عادت غير مجدية في ظل التطور والتقنية الحديثة والعلاقة المهجورة بين اليد والقلم.

وقد حل الحاسوب وجهاز الهاتف محله ، حينها أحسست بذلك الشعور والحزن الذي يعانيه القلم ، وكمية السعادة تغمر قلمي الذي عاد للحياة من جديد ، من خلال كتابته لهذه الأسطر ومساهمته الكبيرة في حل معضلتي في الكتابة ، تذكرت حينها : (الآية الكريمة من سورة العلق وهي أول ما نزل على رسول الله – عليه السلام – قوله “الذي علم بالقلم “كما جاء في تفسير الطبري ، ويعني الخط والكتابة ، وفي رواية سعد عن قتادة قال : القلم نعمة من الله تعالى عظيمة ، لولا ذلك لم يقم دين ، ولم يصلح العيش ، فدل على كمال كرمه سبحانه ، بأنه علم عباده ما لم يعلموا ، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ، ونبه على فضل علم الكتابة ، لما فيه من المنافع العظيمة ، التي لا يحيط بها إلا هو )

هنا توقفت عن الكتابة بسبب عدم وجود فراغ لأكمل كتابة المقال على الورقة ، بحثت عن شيء يحل محل الورقة ولكنني لم أجد ، تذكرت بعد ذلك أنني توقفت أمام مركز التسوق الذي أتبضع منه دائما ، وقد أشغلت نفسي في كتابة المقال خلال اسغلالي للموقف لكي لا يفوتني وأدونه للنشر ، وتذكير الناس بأهمية القلم في حياتنا ، إلا إنني تذكرت شيئا آخر وهو أنني قد دونت في أيقونة الملاحظات بهاتفي الذي نسيته في المنزل قائمة المشتريات التي أتيت لأجلها ، وبعد انقضاء ساعة من الزمن عدت لأحمل هاتفي وأعود للتسوق ، وحين وصولي خالي اليدين خلسة لكي لا يراني أحد أخذت هاتفي العزيز ، لأبدأ بتصفح ما فاتني من أخبار ومعلومات على تطبيق ( الواتس آب ) والتطبيقات الأخرى ، قررت بعد ذلك بأن أعود للكتابة ونقل نص المقال على هاتفي وتكملة ما تبقى عن أهمية القلم ودور الهاتف في حياتنا ، لأنهمك في عالمي الإفتراضي بعد لحظات وبعدما غيرت قراري بأنني سأؤجل كتابة المقال لوقت لاحق ، فدخلت في نقاش واتسابي في إحدى المجموعات التي تضم عددا كبيرا وكل منا يدلو بدلوه في قضية انتشار فيروس كرونا وعدم التزام البعض ، فهذا يختلف والآخر يعارض ، وبعد مرور ساعة من الجدل والحوار ، أصبت بصداع خفيف لأقرر أخذ قسطا من الراحة بما أن الوقت لا زال مبكرا ، أغمضت عيني لأصحو بعد ساعة ، التي تشير عقاربها إلى قرب صلاة الظهر ، أتعلمون مالذي حدث ؟

الوقت أصبح ضيقا ، ولم أنجز ما كنت أود إنجازه لأقرر تأجيله إلى وقت آخر ، والسبب هاتفي الذي نسيته وعودتي ( الهستيرية ) إليه بعد فراقه ودخولي لعالمه المنفصل ، الذي يفصلنا عن عالمنا الحقيقي ، ينسينا أهمية الوقت ، والحياة من حولنا ، لنعيش عالما افتراضيا ، تشغلنا وسائل التواصل الاجتماعي وبرامجه المتجددة تسابق الزمن ، فهل نستطيع الاستغناء عن الهاتف ؟ وما هو مستقبل القلم ؟

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights