مهنة توصيل الطلبات وشرف العمل
فاطمة بنت عبدالله الحمادية
يعتقد البعض أن الطريقة الوحيدة لخدمة الوطن هي الوصول لأعلى المناصب، والتربع على كرسي الوظيفة، لكن كلنا نعلم بأن أضخم الآلات ستعجز عن العمل لو كان مسمارا واحدا فيها غير فعال، وهذا المسمار الصغير مهم كأي جزء كبير في هذه الآلة، وهنا مربط الفرس.
ينطبق هذا الحال على الحياة الوظيفية، فلا يوجد عمل أصغر من أن يكون مهمًا، وبالمقابل لا يوجد شخصا أصغر من أن يكون مهمًا في العمل، فلكل مهمة إذا ما نفذت بشكل جيد أهمية لا تقل عن مثيلاتها من المهن.
إن بزوغ فجر نهضة عمان المتجددة جعلنا نصبح ونمسي على آمال عٍظام وأحلام وأفكار خارج الصندوق، ليتسنى لنا بذلك أن ننتقل إلى مرحلة جديدة تتلائم مع الظروف والمستجدات الحالية، وقد حتمت أحداث كورونا أن نخرج من مجال التفكير المحدود وأن لا نخط بأقلامنا ما يتحكم في الفكر ويؤطره في قالب ثابت، وخصوصا فكر الشباب واتجاهاتهم نحو العمل.
إن ما يتبناه البعض من أبناء الوطن كردود أفعال لبعض القرارات يأتي من منطلق عدة جوانب وتأثيرات بالعهد السابق، لكن الوضع الآن يحتم أن لا نعكس هذه النظرة على الأجيال، وخصوصا مع بداية عهد جديد لعمان يحمل في طياته البشائر، ومع التوجهات الحديثة للنهضة الصناعية القادمة بقوة في السلطنة، والتي تحتاج لايدي الشباب وطاقاتهم.
تسارعت الأقلام في الآونة الأخيرة في خط ردود الفعل حول مهنة توصيل الطلبات والبعض وللأسف حجم هذه المهنة وأرتأى التقليل منها كوظيفة للباحثين عن عمل، ولعله بذلك ينظر للوظائف بأنها مستويات، وأنها كمهنة لا تتناسب مع المخرجات الحالية،
إن ما نشاهده من همة ونشاط في الشباب الذي يعمل ولم يستسلم للظروف ويبحث عن لقمة العيش في أرض بها كل مقومات المعيشة الكريمة، يؤكد بأنهم يحتاجون ليد العون لبث الحماس للعمل المشرف، فخدمة الوطن ليست محصورة في مكان معين، وعلى العكس من ذلك فوظيفة موصل الطلبات موجودة في الأصل ويقوم بها شباب عمانيين، على سبيل المثال توصيل الطلبات مثل الأسماك ومنتجاتها وبضاعة رواد الأعمال من التجار بين مختلف محافظات السلطنة، وهذا يدعونا إلى شحذ الهمم وتأطير هذه المهمة، وعدم تكسير المجاديف كما علمنا أجدادنا.
كما أن تعمين وظائف أخرى كالعمل في المكتبات التجارية ومحلات التصوير ومحلات الورود وغيرها بنسبة ٨٠%، والتعمين في بعض الأماكن كمحلات الخياطة والمطاعم والمحلات الكهربائية ومواد البناء وغيرها بنسبة ٥٠%، أصبح من الضروريات، بشكل يسهم في إيجاد مكان لكل عماني في كل شبر في عمان، فوجود شباب عمانيين يقومون بوظائف شريفة أفضل بكثير من انتشار الوافدين فيها الذين يتفننون في تنفيذ مصالحهم وزيادة دخلهم بأي طريقة كانت.
إن تعمين هذه الوظيفة لا يشكل طفرة فقط في عمان فنحن محاطون بدول عديدة قريبة وبعيدة تقوم عمالتها الوطنية بمختلف الوظائف بكل همة وشرف ونحن لسنا بأقل منهم.
من الواجب هنا أن نكون أكثر جرأة لكي نخرج من القالب المعتاد، وأن تُعود العقول على التفكير بمنحى آخر يتناسب مع مقتضيات الحال.فمن الخرافات أن نصف الأعمال بأنها دون المستوى فقد خلق الله الناس متفاوتين، ومن لا ينجح في العلم يرزقه الله صنعة بيده تنيله شرف العمل، حتى حامل الشهادة فالعمل لا ينتقص منه شيئا، ونحن نشاهد في دول شتى خريج يقود سيارة تاكسي ويقوم بأعمال أخرى لا تتوافق مع شهادته العلمية، وهذا لا يقلل من قيمة ما تعلمه بالعكس لعلها تفتح أمامه الطريق ليبدع في مجال قد يكون لديه وظيفة ثانية فوق وظيفته الأساسية ويعمل بها ليزيد من دخله.
إضافة إلى ذلك فإن للتعليم دور كبير في غرس هذه الثقافة، وينبغي على الحكومات أن تؤصل في مناهجها الدراسية ما يغير هذا الفكر، وأن يعكس الاتجاه العام.
الذي يشير إلى أن السعداء من الناس من هم يعملون بأي عمل، فإذا قيل لهم نظفوا المنطقة مثلًا، يقوم الجميع بهذا العمل، حتى المعلمين والأطباء سينظفون، وهنا نستطيع أن نصف الجميع بالسعادة وهذا ولا شك مطمح الجميع.
فليست المناصب العليا ووظائف المكاتب هي الطريقة الوحيدة لخدمة الوطن، فالأرض والبحر والسماء مجالات للعمل، والسعي الدائم رزق وبركة والجد والاجتهاد يكون في أي عمل.
قرار تعمين مهنة توصيل الطلبات يُعد باكورة لتعمين عدد من الأعمال الأخرى، فشمروا أيها الشباب عن سواعدكم الفتية، ولا تتأثروا بكل ما يقال، خدمة الوطن مفصلة ليقوم بها الجميع وأنتم معاول البناء ولديكم من المقومات التي تجعلكم تطورون من أنفسكم ومن أعمالكم وتضعون لكم بصمة في تراب عمان.
فكلنا على يقين بأن القادم أجمل.