نعم تنتابُني الغيرة
أ. وليد الجابري
لاقت فكرة اجتماع مجموعة من الشباب تأييد من الكُل، شباب كانوا في حُقبة من الزمن يتنقلون في المراحل الدراسية مرحلة مرحلة، وهدفهم من التجمع استرجاع شريط الذكريات الممتد من ثمانينيات الى تسعينيات القرن الماضي والغور في الذكريات القابعة في أذهانهم من مرحلة الطفولة الى بداية تشجير شبابهم، وسرد المواقف الجميلة مع المعلمين الذين توسطوا سبورة الفصل.
وبعد تلقي اقتراحات وافكار لمكان التجمع تم الإتفاق على المكان والموعد المحدد، حضر الكُل وتم تبادل السلام وعيونهم ملؤها شوق وحنين مُغلف بذكرى قديمة في وقت جميل.
وخلال الجلسة وفي أذهان البعض أن يتم ترك المجال للكُل في سرد مواقفه الدراسية أو تذكير صديقه بموقف مُضحك أو مُحزن، إلا أن أحد الزملاء أخذ بزمام الحديث ولم يترك المجال للبعض للبوح بما عِنده، فأخذ صوته يرتفع بكل شموخ وكأنه يقول أنا وليس غيري، فكانت أحاديثه تؤشر الى المادة والمُلك، أخذت هذا وبعت هذا وقابلت المناصب وسفراتي السياحية تتعدى المرات في السنة الواحدة وأكلت في أرقى المطاعم، إلا أن بدأ يتسلل لخصوصياته الأسرية، فوقف أحد الزملاء يخاطبه، إلى هذا الحد وكفى فخصوصياتك أحتفظ بها لنفسك، فلا تُقحمنا إلى معرفة تفاصيل حياتك الأسرية، وما أن جلس الزميل أخذ يهمس في أذنه زميله الجالس بجانبه( ماذا دهاك؟ هل أخذتك الغيرة)أنصدم وأخذ هذا السؤالين يتنازعان في ذهنه، فرد عليه بهمس قائلاً، أنت بعيد جداً عن مقصدي له بالكف عن الحديث.
أنتهت جلسة التجمع، وتم تبادل الوداع إلى لقاء أخر.
ذهب الزميل قاطع حديث زميله وذهنه يخالط السؤالين الذي همس بهم الجالس جنبه، فرد عليه برسالة تُفضي ما بقلبه.
مساء الخير أخي العزيز ،،،
أعلم بِأنك تُفرق بين الغيرة( الحسد ) والغبطة والفاصل بينهم من تمني زوال النعمة الى بقاء النعمة، نعم تنتابُني الغيرة، لكن لا تعلم مِن ما ماذا أغار ، أغار من مصلي يسجد سجدة مُطولة لله سبحانه، ومن رجل سمع الأذان وهب إلى تلبية نداء الصلاة، ومن أخذ له وِرداً من القرأن كُل يوم وقام الليل، ومن شخص يُحب لأخيه ما يحبه لنفسه، ومن رجل جعل جُل اهتمامه تربية أبناؤه تربية صالحة ومُهتم بكُل تفاصيل حياتهم العلمية، ومن رجل خصص يوم في الأسبوع لأسرته خارج المنزل، ومن رجل مُداوم على زيارة أرحامه، ومن منافس في بِر والديه، ومن يسعى بالخير بين أفراد عائلته ويسخر لهم ما يستطيعه بدون رياء وتصنُع، ومن حافظ على لسانه بين أسرته مبتعداً عن الكذب والغيبة وذكر عورات الناس وتبجيل نفسه، ومن رجل غني نظر الى الفقير كأنه بنفس مستواه كاسر حاجز الطبقية، ومن رجل يمتلك حمولة من الثقافة والفكر في عقله، ومن رجل رزقه الله السير في حوائج الناس بلا مصلحة شخصية، ومن رجل أتاهُ المال بطريقة غير مشروعة فأبى، ومن رجل زكى وتصدق بدون ذكره، ومن رجل مُزكي لسانه عن ذكر أعراض الناس وعوراتهم.
والكثير والكثير من بواطن سِمات البشر المُتاصلة بها عُمق الإيمان.
نعم أخي،، من تِلكم تنتابُني الغيرة.