ذكريات حارتي وأنا في الصغر
بقلم : يعقوب بن حميد بن علي المقبالي
وادي بني هني النزوح ولاية الرستاق
لا أحد يُشغلني عنكِ فأنتي في قلبي وإحساسي ومهجتي وغايتي، أتألم إن تألمتي ويشتدُ شوقي إن لم أصافح أرضكِ تقرُ عيني وتعلو هِممي بوجودكِ لقد وقعت في قلبي منذُ نعومة أضافري.
من قرأ تلك العبارات سيقول مجروح في حبيبته أنهم لا يعرفون مقصدي هنا؟ إنها حارتي القديمة التي وُلدتُ فيها وتررعتُ على تُرابها ومشيتُ في أزقاتِها وكم تظللتُ تحتَ ظليل بيوتها كم جلستُ مع أهلي وجيراني بين جدران بنيانها المتواضع من الطين والسعف والجذوع.
أتذكر تلكَ السنين التي عشناها ونحنُ في قمةِ السعادة، كما أن لسبلة حارتي حديثاً آخر لا نستطيع أن نُحصيه عبر هذهِ الكتابات البسيطة حيث أن لهذه السبلة ذكرياتٌ مخلدة لمن تعايش معها نعم إنها لا تخلوا من زوارِها فهي تعد دار ضيافة في ذلك الوقت لكل من يحل فيها ، لا تُفارقها رائحةُ القهوة ومذاق التمر الذي يقدم أثناء تناول القهوة هذا عن غض النظر لضيافة المعتادة التي تقدم لضيف القادم لحارتي.
كما أن هناك تقام بين أروقة سبلة حارتي جلسات الصلح إن تطلب الأمر بين الأهالي ومناقشة أي موضوع يخص هذه الحارة، وترى الأهالي يتبادلون الأخبار التي يتلقونها من خارج الحارة وأما السعفيات لها مكانة خاصة بين الأهالي فتراهم وهم جالسين بهذه السبلة يمارسون حرفة السعفيات بمختلف أنواعها ويقصدون من تجمعهم في هذه السبلة وممارسة حرفة السعفيات فهم يعلمون أبناء الحارة بتلك الحرفة كذلك جلوسهم بالسبلة ليكونوا متواجدين بها إن طرأ أي حدث يخص حارتي أو مع أهلها ويستقبلون ضيوف حارتهم أو لكل من له أمر أو حاجة مع أحد سكان الحارة.
كم أتذكر فلج حارتي يروي بقنواته المائية ويدوي بصوته المترنم في أسماعنا ليروي تلك النخيل الباسقات والأراضي الزراعية الموسمية حيث إن الإنسان بطبيعة فطرته لديه حبا لممارسة الزراعة فهو يحرث أرضه ويأكل من خيراتها متنعما بما كتبه الله له فيها من تلك النخلة وتلك الجلبة الزراعية ليوفر قوت يومه له ولأهله .
كم أتذكر تلك الباسقات ومع شروق الفجر ونحن صغار أولاد وبنات نتسابق ونجري بين النخيل لألتقاط الخلال الذي يسقط من ثمارها ونضعه على الزبيل أو المخرافة التي نحملها لنضع فيه ذلك الخلال الذي رقطناه ونعود به إلى بيوتنا وعلى وجوهنا ابتسامة عريضة وتلازمنا الفرحة والبهجة بمحصول ذلك اليوم .