درس في زمن كورونا
زكية اللمكية
كان مجرد ذكر اسمه على الشاشة يعني الموت ، حتى أصبح الاختباء منه بالحجر المنزلي بمثابة درس .. فمن هنا بدأت قصتنا معه ،،
كورونا (كوفيد19) ،، تردد ذكره وشاع صيته بحيث أصبح ثقافة مجتمعية ، ونمط سلوكي ، وخط دفاعي احترازي أول ، فهو ليس مرض ظل يفتك ببني الانسان فحسب .. بل هو درساً علم كل منا ما ترشد إليه المعاني – فمنه جاء الصبر ، وخرجت القناعة ، وانغرس التواضع فأشغلنا بالاعتماد على النفس فشكراً لذلك الدرس الذي دلنا على طرق مختلفة ، انبثق منها الجد والعمل والاجتهاد ، فصار الخطوة الحقيقية لقربنا إلى الله ، والتضرع له بسلوكٍ حركيٍ ناعمٍ أكثر وأكثر ، شدنا بحلاوة التدبر ، وترتيل القرآن مع الالتفاف حول السجادة ، و أعاد الخشوع وللمصحف هيبة فريدة ، يعج صداه جدران المكان ، لتزداد الحياة تمعناً والعيش تلذذاً ، وكأنه يوماً آخراً من الحياة ، والدرس الأكثر جمالاً أنه جعلنا ندرك كيف يعيش الفقير وكيف يسكن دون مأوى أو طعام ، فعلمنا كيف نساعد من يحتاج ، وإن ندرك قيمة الإنسان للوطن .. كورونا وحده من لفت انتباهنا ، علمنا الألفة وجمع بين الأسر دون أجساد بل بنبرة صوت أو نظرة خلف الشاشة ، جعلنا نعيش تحت سقف واحد كأفراد أسرة يومياً وليس كنزلاء أسبوعياً ، كورونا علمنا الصبر وجعلنا نعرف مدى مقدرتنا على التحمل ، وأن نجعل منازلنا ليست مجرد مأوى ، عمل بدون مؤسسة ، صرح علمي بدون مدرسة ، ومتعة بدون ملاهي ، ان نعيش فيلمنا الخاص بعيداً عن قاعات السينما ، علمنا كيف نستعيد مواهبنا التي لطالما نسيناها مع الحياة العصرية ، جعلنا ندرك عدد المواهب والقدرات التي تكمن في داخلنا ودفناها مع الزمن ، كورونا أصبح درساً مهماً في حياة الإنسان ، كان لنا كالحرب من غير أسلحة ، وها نحن نتعايش معه ونتجاهل مدى تأثيره علينا .. علمنا أن فرحة الأعياد ليست بشراء الملابس الثمينة ، وإنما في بساطة المظهر وعمق الجوهر ،
علمنا كيف نكون أكثر قرباً من أحبابنا على الرغم من تباعد أجسادنا وأن ألفة القلوب أقوى من ألفة الأجساد ، علمنا من هو الصديق الوفي الذي لم يهدأ له بال حتى يطمئن على سلامتنا ، علمنا من هم المخلصين الذين حبسوا أنفسهم في زنزانة الحجر الصحي حتى يهنأ الآخرون ويحافظوا على صحتهم ، علمنا أن ما كنا نعتبره روتيناً يومياً مملاً هو الآن حلم نتمنى أن يتحقق .. الحجر المنزلي الذي فرضه ذلك الفيروس على الناس يُعد فرصة لاختبار وتقوية العلاقات الأسرية ، التي طغى عليها نمط الحياة ، ووسائل التواصل الاجتماعي التي بعدت القريب وقربت البعيد ، أيضا علمنا كيف نساهم في نشر الوعي بين أفراد المجتمع ، علمنا عدم السهر خارج المنازل إلى أوقات متأخرة من الليل يومياً في المقاهي والاستراحات ، وها هو الآن يمنحنا أجواء حميمية ، تنعكس إيجاباً على سعادة الأبناء والأزواج ، وهم يشاهدون رب أسرتهم بجانبهم ، يشاركهم اهتماماتهم ، ويسهم في تعزيز سعادتهم .
ورغم تلك الإيجابيات التي منحها لنا كورونا إلا أنه لا يسعنا سوى رفع أكف الضراعة بالدعاء إلى الله عز وجل أن يرفع عنا هذا البلاء ، ويُذهب الوباء ، وأن يحفظ بلادنا عمان وبلاد المسلمين ، إنه سميع مجيب .
عافانا الله واياكم من كل مكروه ورحم الله موتانا وموتى المسلمين .