2024
Adsense
مقالات صحفية

مقاصف المدارس

بقلم :  خميس بن محسن بن سالم البادي

إن حرص حكومات الدول على إيجاد فرص راحة لطلاب المدارس بين الحصص الدراسية، قد جاءت بغرض تمكينهم من التمتع بقسطٍ محدود من الراحة الذي هو بمثابة متنفس مؤقت لهم يقضونه مع بعضهم في فناء و بين جنبات و أروقة المدرسة، و التي صاحبتها (أي- فترة الراحة-) فكرة توفير بعض الشطائر و المشروبات في المدارس للطلبة بغية مدهم بطاقة متجددة تمكنهم من التركيز و الإنتباه إلى مدرّسيهم أثناء المحاضرة في الحصص الدراسية المتبقية لهم من اليوم الدراسي، و ذلك بتناولهم شيئاً من الأطعمة و المشروبات خلال فترة الراحة المقررة، سواء كان قد جاءوا بهذه الأطعمة و الأشربة بأنفسهم من منازلهم صباحاً أو من تلك المتوفرة في مقصف المدرسة و التي تباع لهم بأثمان إن لم تقل فهي لا تزيد سعراً عما في الأسواق.
و كما نعلم أن مدارس السلطنة حالها كحال المدارس ببقية الدول الأخرى، فقد تم العمل بالمقاصف المدرسية في البلاد منذ عقد السبعينيات من القرن الفارط، حيث بداية عهد النهضة العمانية المباركة التي قادها السلطان الراحل رحمه الله تعالى و أسكنه فسيح جناته، و لا ريب أن هذه المقاصف و على مدى العقود الماضية قد مرت بمراحل انتقالية مختلفة نحو التغيير و التطوير حتى صارت إلى ما هي عليه اليوم في مختلف مدارس البلاد، و لو عدنا بالذاكرة إلى الحقبة الماضية فقد كانت وجبات المقاصف بالمدارس آنذاك، هي من الوجبات التي تحتمل مدة التخزين و يقل تأثرها بعوامل الطقس و الحرارة لبعض الوقت، و ذلك من حرص إدارات المدارس على بقاء تلك الأطعمة لأقصى مدة وقتية دون تعرضها للتلف حرصاً منهم على سلامة أبنائهم الطلبة مما ُيقدَّم لهم من مأكل و مشرب، و التي كانت عبارة عن البيض المطبوخ بالماء المغلي مع حبّات الجبن المغلف بورق القصدير (الجبن المثلث) و الخبز العربي (اللبناني) و علب العصير الكرتونية(سن توب)، و رغم بساطة تلك الوجبات و أوعية التبريد و طرق التخزين لا سيما في المدارس التي لم تصل إليها خدمة الكهرباء بعد في تلك الفترة، إلا أنه لم نكن نسمع عن حدوث أي حالات تسمم أو وجود عفن أو اكتشاف حشرات بتلك المأكولات، و كان مع بداية كل عام يُعلَن للطلبة و من يشاء من الهيئة التدريسية بكل مدرسة عن تشكيل جمعية تعاونية للمقصف، و على الطلاب و المدرسين و الإداريين بالمدرسة لمن تكن لديه الرغبة المساهمة بمبلغ مالي وفقاً لقدرات و إمكانيات كل منهم، على أن تكون للمساهم أرباح مؤكدة بنهاية العام الدراسي، و يمكن بعد ذلك للكل حتى من غير المساهمين أن يبتاعوا ما يشاؤون من المقصف و لكن لا يتم إدراجهم ضمن قائمة المساهمين، فيقبل الأغلب منهم طائعين مباركين للفكرة فيساهم كل منهم وفقاً لمقدرته المالية و من ثم يتم تأسيس جمعية المقصف، ليباشر بعد ذلك القائمين عليها بشراء المواد الغذائية و البرادات و أدوات التخزين و التسخين و التعاقد مع المخبز الذي يورد كمية الخبز المطلوبة كل يوم دراسي، و الاتفاق مع الشركة التي تزوّد المقصف ببقية المواد الغذائية التي كما أسلفنا لا تتعدى ما أشرنا إليه آنذاك، و يتم ذلك لا شك تنفيذاً لتوصية الوزارة و تعليمية المحافظة بالتنسيق مع إدارة المدرسة من حيث انتقاء نوع الوجبات التي يجب أن يتم تقديمها للطالب، و ذلك من منطلق حرصهم على ضرورة تناول الطلبة بما تستفيد منه أجسامهم الغضة بعيداً عن السكريات الضارة و بعض المأكولات المصنّعة و المهدرجة، ويبدأ العمل بعد ذلك من خلال فريق يشكل لإدارة جمعية المقصف من بعض المدرسين كإشراف و الطلاب كباعة في المقصف، و بنهاية العام الدراسي حيث يتم تسليم بطاقات الدرجات النهائية يتسلّم كل مساهم أرباح مساهمته المالية عن تأسيس جمعية المقصف و ذلك كلاً حسب المبلغ الذي ساهم به، فقد تصل أرباح بعض الطلاب حتى مئة ريال عماني.
أما راهناً و من غير تأسيس جمعية من قبل الطلبة و الهيئة التدريسية كما كان في الماضي فإنه يتم التعاقد مع بعض المخابز- إن لم أكن مخطئاً-، لتزويد المدارس بالوجبات الغذائية للطلبة التي يجب أن تصل في وقت محدد و متقارب لكل المدارس في الولاية الواحدة، و لو فرضاً أن في كل ولاية من الولايات ذات الكثافة السكانية المتوسطة عدد سبعة مخابز، و عدد خمسة عشرة مدرسة كأقل تقدير و لو فرضاً أن كل مدرسة تضم من مئة و خمسين إلى مائتي و خمسين طالب / طالبة، فأنى لهذه المخابز أن تبدأ بإعداد عدد الوجبات لهذه المدارس مع بداية صباح كل يوم حتى تصل للمدرسة في موعدها المحدد؟، و التي أظنها أنها لا تقتصر على صنف واحد من الأطعمة للمدرسة الواحدة وفقاً للعقد المبرم، مع علمنا بالتزامها في ذات الوقت بتعاقدات أخرى لتوفير ناتجها من المخبوزات و المعجنات طبقاً لتلك التعاقدات التي غالباً ما تكون مع كل بداية لفترتي الشروق و الغروب يومياً.
إن الحقيقة التي نجهلها تكمن حول مدى جودة هذه الوجبات التي تقدم لأبنائنا الطلبة الذين بدورهم لا يميزون الجيد من الرديء منها إلا متى ما أصيب أحدهم أو بعضهم بالتسمم – لا سمح الله و لا قدّر-، و لا أظن أن ذلك لم يحدث إطلاقاً أقله في بعض المدارس، ناهيكم عما إذا كانت هذه الوجبات ذات فوائد غذائية للطلاب أو هي لا تعدو كونها كمية ممزوجة بمقادير مختلفة من النكهات و الصبغات اللونية للأطعمة و السكاكر المكررة و الضارة و الأطعمة المصنّعة و المهدرجة، أضف إلى ذلك أن هذه المخابز و حتى تفي بوعودها قد تعد وجبات الطلبة هذه بوقت سابق بكثير عن موعد تسليمها و يعلم الله كيف يتم حفظها و البيئة التي أعدت فيها، لا سيما و أن المناخ في محيط دول الخليج العربي خاصة تكون فيه معدلات درجات الحرارة مرتفعة بصفة مستمرة عدا أشهر قليلة من العام حيث يكون فيه الطقس معتدلاً، كما أن أغلب العاملين بهذه المخابز جاءوا للعمل لدينا من بيئات ليس لديها أدنى مقوّمات للسلامة و الصحة الغذائية و طرق حفظها و كيفية التعامل معها بعيداً عن عوامل التلف و التلوّث المختلفين، و ذلك لما شهدناه و نشهده من كثير منهم في شأن طرق تعاملهم مع مختلف أصناف المأكولات من حيث بيئة و نظافة الإعداد و من ثم الحفظ، و لعلنا نتذكّر أنه يتم بين الفينة و الأخرى ضبط مخالفين في هذا الجانب من قبل الجهات المختصة، حيث فرضت بموجب ذلك على البعض منهم غرامات مالية بينما سيق بالبعض الآخر إلى ساحات القضاء لأسباب مختلفة، منها ربما جسامة الفعل وحجم الضرر أو تكرار المخالفة، و لنعلم أيضاً أن هذا ليس وصفاً للتعميم و لا هو يقلل من أهمية هذه المنشآت بين السكان بل وجودها صار مطلب ملح لنا جميعاً، و لكن جودة و سلامة الغذاء لا شك أنه منشدة و هدف الجميع أيضاً، و سلامة أبناءنا الطلبة من الأولويات حيال ذلك.
و ما نود قوله هنا هو أن القدرة المالية قد أصبحت اليوم لدى أغلب أولياء الأمور هي أكثر وفرة و سيولة من العقود الماضية لله الحمد و الثناء، و أن تمكين الطالب من الدخول في مساهمات مجتمعية بدءاً من المحيط المدرسي لهو عامل مشجع له لعلمه بنتائج مساهماته التي لا شك أنها ستعود عليه بالنفع هو شخصياً و الفائدة من الشراكة المجتمعية التي يساهم فيها، فذلك أمر حسن لما له من الإيجابيات المرتجاة من حيث تنمية مهارات الكسب المشروع لديه و غرس قيم التعاون المجتمعي من حوله، و تحفيزه بأوانٍ سابق كي يكون شخص اقتصادي أو ربما رجل أعمال ناجح مستقبلاً.
لذلك و قد صارت اليوم ثمة أسر منتجة من داخل البيت العماني و بمستوى ريعي يدر دخلاً لأهله، و من مبدأ أهمية وقوف الحكومة إلى جانب هذه الأسر المنتجة التي تسعى جاهدة لتكفي ذاتها شر الفاقة و ذل السؤال عن حاجة حتى تعيش بتعفف و كرامة، فلعل إحياء جمعية مقاصف المدارس و إعادتها إلى الواجهة التربوية و مساهمة الطلاب في هذه الجمعيات و تأسيس رأس مال لها يكون له الأثر الإيجابي على الطلبة و المجتمع، و ذلك من حيث التعاقد مع فئة الأسر العمانية المنتجة من بيوتها لتوفير وجبات التغذية المدرسية للطلبة و فق الشروط و الضوابط التي تحددها الوزارة بالتنسيق مع تعليميات المحافظات و بما يفيد الطلاب صحياً و غذائياً.
منوّهين إلى أن للمخابز روّادها و زبائنها و من ثم مؤكداً أنها لن تُقفل أبوابها إذا ما أنهت المدارس التعامل معها، و حتى يكون لها دورٌ مستمر أيضاً في جانب التغذية المدرسية و لو بطريقة غير مباشرة، فللأسر المنتجة التي يتم التعاقد معها لتغذية طلبة المدارس أن تبتاع بعض أنواع المخبوزات لتكون ضمن الوجبات التي يتم الاتفاق على إعدادها للطلاب في مدارسهم، و لتعميم الفائدة على كافة الأسر المنتجة في الولاية لعله من المناسب أن يتم تعاقد كل مدرسة مع بيت واحد إلى بيتين بالتنسيق بين وزارتي التربية و التعليم و التنمية الاجتماعية و الجهات الأخرى ذات العلاقة، و بذلك تعم الفائدة للطلبة من حيث ضمان وجبات منزلية صحية وفق شروط معيّنة و مبلغ مالي نهاية العام الدراسي أرباح للمساهمين في تأسيس جمعية المقصف، و الأسر المنتجة لما له من ريع يعود عليهم من بيع تلك الوجبات ليساعدهم في تسيير باقي شؤون متطلبات حياتهم،، و دمتم بود و خير،،.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights