أبعدهم عن (أنا) وانتظر منهم (أنت)
علي بن مبارك اليعربي
لفظة قد تبعدك تماما عن الآخرين ، ليس لها من الحروف إلا ثلاثة ورغم ذلك فوقعها في النفس كبير على من أتقنها فهو قد أتقن فن يجهله البعض منا للأسف رغم أنه واجب علينا اتقانه بعد التدرب عليه، وهو فن التعامل مع الناس و التأثير فيهم.
فلفظتي (أنا وأنت) هما إحدى أدوات ذلك الفن، فكلما أكثرت من استخدام (أنا )ابتعدت عنك إيجابيات (أنت) والتي إن استخدمتها بما تسر بها نفس المخاطب تنفك بها أصفاد القلوب المغلقة، وتتدفق منها ينابيع الود والمحبة ،وتزدهر بها علاقتك مع نفسك والآخرين.
ولا يعني هذا بأن قول كلمة (أنا) محرمة أو مكروهة فهي في اللغة ضمير المتكلم حين يعبر الإنسان عن نفسه وما حصل منه سواء كان ذلك ابتداءا أو جوابا ، فقد قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه :(أنا النبي لا كذب أنا ابن عبدالمطلب) ويكون هذا على سبيل البيان والإرشاد أو التوضيح أو التفسير.
لا حرج على المسلم أن يقول( أنا) إذا لم يكن ذلك فيه كبر أو استعلاء علي الناس ، فإن كان فيه كبر أواستعلاء يحرم قولها بقصد تعظيم الفرد لنفسه، وتفضيلها على غيره، كالذي حصل من إبليس اللعين حين قال:. (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) سورة الأعراف 12 وقال في سورة ص:. (قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين” 75″ قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين 76) هذا ما يستنكر من قول (أنا) عندما يقولها الواحد منا من منطلق التشريف والتعظيم وحب الذات ،وأثرها على الغير ، أواحتقاره لمن يخاطبه، وقد نلفظها حسدا بحيث يظهر صاحبها بالأفضلية وانتقاص الآخرين معجبا بنفسه غير مكترث بما يعانيه غيره لا ينظر إلا لمصلحته الشخصية ،فهو حريص على الخيرية والشرف دون سواه.
ولعل مصطلح الأنانية نابع من هذه الكلمة ومشتق منها على غير قياس ولكن ما ينبغي التأكيد عليه رغم الإشارة إليه آنفا هو أن استخدام أنا يمكن يكون من الإنسان في مقام التواضع والانكسار لله ، والاعتراف بالذنب ، والفقر والحاجة إلى رب العالمين .
ففي حديث الاستفتاح : ( اللهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ……
لذلك مذموم من يقول (أنا) بقصد الترفع والتعالي على الغير وخاصة مع أولئك الذين لديهم صعوبات في التواصل مع محيطه ، وضعف الثقة بالنفس. وهذا بكل تأكيد سوف يبعدك عن التواصل الاجتماعي الجيد والراقي بالٱخرين ،وأي قول أو عمل تقدمه لهم ما عليك سوى الإخلاص فيه ، و الابتعاد عن شخصنة القول والفعل بحيث تكون دائم التفكير في المصالح العامة لتجبرهم على إظهار مشاعر الود والاحترام والتقدير وإسقاط كلمة (أنت)عليك كقولهم :. بارك الله أنت فعلت كذا ما شاء الله عليك لولا أنت لما وصل هذا.. الخ.
فعند الإشارة إلى أي عمل قمت به أو شاركت في إنجازه تشعر أنت بالفخر عند سماعها.
ولكي تبعد نفسك عن لفظ كلمة (أنا) لأنها ضمير المفرد للمتكلم منفصل ما عليك سواء تحويلها (مجازا) إلى فعل ، فما تقوم به الآن من أفعال وأعمال خير للناس تغنيك عنها بلفظ كلمة (أنت) ممن سواك وتوصلك عزيزي الفطن إلى التوافق النفسي والاجتماعي معهم بذلك تكون قد أبعدت نفسك عن (أنا)وأخذت (أنت) بكل سعادة وهناء.