كله على مفهوم الـ “وجبات السريعة”
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
لم يعد أمر الوجبات اليوم مشكلة كبيرة أمام ربات البيوت، أو حتى أربابها، ولم يعد البحث عن مكونات وجبة ما بذات الهم الكبير الذي يحول دونه الفكر أمام إلحاح البطون التي تتقارص خاصة مع منتصف اليوم، بعد ساعات من العمل الشاق أو المتواصل، كل المسألة تحتاج إلى وقفة لا تزيد عن عشر دقائق أمام إحدى محلات بيع الوجبات السريعة لشراء أية وجبة لملأ أفواه البطون الجائعة، ويحدث هذا الموقف ليلا أو نهارا، فبعد جولات طويلة في الأسواق، أو حضور حفلة ما، ليس أمام الأم التي تركت أطفالها في المنزل سوى أن تمر على أحد هذه المحلات لتقوم بذات الفعل، وإن كانت في المنزل وتكاسلت وهي تتسمر أمام شاشة هاتفها المحمول؛ حيث تتنقل من رسالة إلى أخرى من رسائل الـ “واتس أب”، أو امام شاشة التلفاز أن تتصل بزوجها تطلب منه أن يحضر إحدى هذه الوجبات “الذهبية” وهو في طريق العودة إلى المنزل، لتعفي نفسها مشقة الوقوف لساعة أو ساعتين في المطبخ لإعداد وجبة غذائية صحية لأطفالها، وهكذا يستمرئ الجميع هذا الفعل، على الرغم من مخاطرته الصحية، كما يؤكد المختصون في شؤون التغذية، خاصة عندما يتجاوز الاعتماد على هذه الوجبات السريعة أكثر من النصف المعتاد، فقد يمر أحيانا على مطابخ البيوت أن لا تشهد لأكثر من يوم في الأسبوع إيقاد نار للطبخ، وهذه مشكلة كبيرة.
هنا أيضا لا تستوقفني الوجبات السريعة التي تأخذ طريقها إلى البطون، وإنما يذهب الطرح إلى أشياء كثيرة من حولنا لا تخرج عن مفهوم هذه الوجبات السريعة، لأن الحياة تتلبسها هذه السرعة في كل شؤونها، والإنسان أصبح شبه مجبر على أن يخضع في كثير من شؤون حياته لهذه السرعة، ويستسلم بشكل طوعي مطلق لهذا المفهوم، فأنظر إلى جوانبك الأربعة، ستجد كل شيء تقريبا يخضع لهذا المعنى، فالطالب على سبيل المثال لا يريد أن يتعب نفسه كثيرا في المذاكرة، فهو يريد نجاحا على مفهوم الوجبات السريعة، ولذلك فالآباء يشتكون، والمدرسون يشتكون، والموظف كذلك؛ ولذلك المراجعون يشتكون، والمسؤولون يشتكون، والمشروعات التي تنفذ على أرض الواقع هي أيضا تنضم إلى ذات المعنى، فكثيرا ما نشاهد من هذه المشاريع لا تكمل سنتها الأولى؛ إلا وتظهر فيها العيوب الفنية، وهي عيوب قاتلة، وتكلفتها باهظة الثمن، وبالتالي فأعمارها قصيرة جدا، لا تكاد تصل إلى أعمارها الافتراضية، وكذلك المواد الغذائية، وخاصة الطازجة منها لا تعمر أكثر من أسبوعها الأول، وحتى المواد الصلبة التي نستعملها تحولت تحت هذا المفهوم، ولذلك اليوم بين أيدينا كل الأدوات مصنوعة من المواد البلاستيكية، وهي المواد التي إن أثقلت عليها في الاستعمال تعرضت للتحلل، وجاءت بالمصائب والمخاطر، ويكفي ما نقرأه اليوم من خطورة استعمال المواد البلاستيكية خاصة عندما تتعرض للحرارة، حيث تذهب إلى التحلل، وبالتالي لا فهي الأقرب إلى إفراز أمراض العصر في المواد التي نأكلها، وما انتشار الأنواع الكثيرة من السرطانات اليوم إلا نتيجة لهذا كله، ومع ذلك يقبل عليها الناس لرخصها وسهولة التخلص منها بعد الاستعمال، كالمواد المصنوعة من الألمنيوم.
إبحث في كل جوانب حياتك اليوم ستجد نفسك محاط بهذا المفهوم أردت ذلك، أم لم ترد، هذا واقعنا اليوم، وما ندري بعد كم من السنين، كيف سيكون الحال، ومن سوف يكرمه الله بعمر أطول سيعيش ربما أسرع، ولكنه أكثر خطورة من الوجبات السريعة التي نعرفها اليوم.