لهاث لسباق الحياة ..
أحمد بن سالم الفلاحي
shialoom@gmail.com
نعيش سباقا محموما غير عادي، نلهث بأقصى قدرة لفريق “الرئات” حماهن الله من العطب، فإلى أين نحن ماضون، إلى أين نحن سائرون، إلى أين نحن منتهون، فالمسافة بين المنزل والمكتب لا تتجاوز النصف الساعة إلى الساعة، والمسافة بين المنزل والسوق كذلك، والمسافة بين المنزل والمسجد أقل من ذلك بكثير، ومع ذلك نعيش حياة كلها سباق، وكلها لهاث، وكلها عداوات؛ أحيانا؛ والنتيجة بين من يلهث، وبين من يصل إلى المسافة الأخرى بلا لهاث واحدة، الجميع يصل إلى نفس الوجهة، والجميع يصل في نفس التوقيت، والجميع يحصل على نفس النتيجة، إذن لماذا هذا السباق؟!.
يأتي الموظف بأعذار واهية في كثير من الأحيان عندما يتكرر تأخره، ويأتي صاحب الموعد بأعذار غير مقبولة عندما يتأخر، ويأتي الطالب بأعذار كاذبة عندما يتأخر، ويأتي رب البيت بأعذار ماكرة عندما يتأخر، ويأتي فلان بأعذار فيها من الافتراء، كلهم عندما يتأخرون، حيث يلعنون الظروف، ويلعنون الطرق، ويلعنون النسيان، ويلعنون حتى العناوين أحيانا، فالعناوين تمارس هي الأخرى غواياتها على المتأخرين، وحتى لا يقع كل هؤلاء في مطبات الأعذار المختلفة تراهم يتسابقون، ويلهثون، ويتنازعون، وربما يتصادمون، ويتضاربون، وقد يلعن بعضهم بعضا في زحمة الأحداث، فإلى أي مصير نحن ذاهبون؟!
هل بلهاثنا هذا نسابق الحياة، أم خوفنا أن تسبقنا الحياة، هل بسباقنا هذا نحرز أرقاما تصاعدية، أو نخسر ذات الأرقام، هل بشططنا هذا ننجز أكثر مما ينجز بهدوء النفس وبرضاها، وهل بمصادرة الزمن لنا، أو بمصادرتنا للزمن نحن فائزون؛ نحن عمليون؛ نحن محققون لمشروعات الحياة وطموحاتها بين جوانبنا؛ نحن واهمون؛ نحن صادقون؛ نحن طبيعيون؛ نحن إنسانيون أكثر مما يجب؛ إنسانيون بحق الفطرة، وبحق الخلقة، وبحق البشرية، إلى أين نحن سائرون؟!.
الصورة برمتها أن لا يلحقنا الآخر، نحسب له ألف حساب، ونترك حسابات أنفسنا، نفكر فيه في اليوم ألف مرة، ولا نفكر في أنفسنا، نتقصى كل أوراقه، ولا نحصي أوراقنا؛ مع قلتها؛ فأي وهم نحن نعيشه، وأي مشروع حياة نريد تحقيقه، وأي دمعة حرى تسيل من مآقينا لأنفسنا نسمح لها بعبور الأخاديد التي نجرح بها أنفسنا، وكبرياءنا؛ أحيانا، لماذا هذا الآخر يسكننا إلى حد السباق، وإلى حد اللهاث، وإلى حد القسوة على أنفسنا، وإلى حد تجاوز عوامل نجاحاتنا، وإلى حد غض الطرف عن انجازاتنا، فأي حال هذا نكون عليه، ونفخر به، ونحن لم نتجاوز محطة ذاتيتنا المغرقة في الخصوصية؟!.
نشعر بالإجهاد كل يوم، ونعيش القلق كل يوم، ونرخي السمع للذي لا يستحق كل يوم، ونتسابق في ذات المسافة كل يوم، ونراكم من لهاثنا لذات الهدف كل يوم، خوفا أن يسبقنا الآخر، خوفا أن يتعدانا الآخر، أن ينجز أكثر، أن يعادلنا فيما ما حققناه، أن يتربع على قمة الهرم أكثر، اليس غريب هذا الآخر، أن يأخذ منا كل هذا، ونحن بعد لم نصل إلى هذا الآخر، فأي مصير منتظر بعد هذا الآخر؟!.
تصدمنا الحقيقية المرة؛ أنه “عاجلا أم آجلا سننهار” والأنكى أننا لن نجد هذا الآخر، والآخر هنا ليس شخصا بعينه، قد يكون طموحا؛ أملا؛ مقصدا؛ حلما؛ زمنا؛ أي شيء فسحنا له مساحة كبيرة من الاهتمام المبالغ في تقديره، والمبالغ في حجمه، والمبالغ في أهميته، والمبالغ في وزنه وثقله وموضوعيته، أستمحيكم عذرا هنا؛ فالنهاية ليست سباقا بالمفهوم الذي نقوم به، ولا باللهاث الذي يربك القلب والرئة، النهاية هي حياة مسارها طبيعي جدا، فأعقدوا صفقة للهدوء.