المسؤولية بين تحملها واللامبالاة …
خلفان بن ناصر بن سعيد الرواحي
المسؤولية هي شعور وجداني ينبع من داخل القلب ؛ تفرزه الغريزة البشرية بطبيعتها التي جبلت عليها عندما عرضت عليها من بين المخلوقات كافة ؛والمتمثل في تحملها للأمانة العامة الشمولية للتبليغ والعمل بأوامر الله ، فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾- سورة الأحزاب ٧٢.
فالمسؤولية هي مكرمة عظيمة من الله عز وجل ، وعلينا إدراك ما تعنيه ؛ وتحملها تجاه أنفسنا والآخرين ؛ فالله عز وجل يسألنا بقدر اختيارنا بنوعية أعمالنا المنطوية تحت مظلة الأمانة وتحملها ؛ فالمسؤولية حالة يكون فيها الإنسان صالحاً للمؤاخذة على أعماله، وملزم بتبعاتها المختلفة.
إن هذه المسؤولية النابعة من الإحساس بثقل الأمانة الملقاة علينا؛ لا يتحلى بها إلا أصحاب الضمائر الحية الواعية، وكذلك أصحاب العقول المدركة بأن لها رسالة في هذه الحياة يتوجب عليها القيام بهذه المهمة مهما كانت العقبات كثيرة، ولهذا تعددت أوجه المسؤولية ؛ فمنها المسؤولية الدينية والمسؤولية الوطنية والاجتماعية وغيرهما من هذه الأوجه.
فَلَو نظرنا للوجه الآخر من البشر ؛ فأننا نجد تغليب العواطف والامبالاة حاضراً ، بالرغم من شعورهم في قرارة نفسهم بأن ذلك الفعل منبوذاً وليس مرغوباً فيه ؛ ويؤدي إلى تبعات سلبية قد تضر به شخصياً قبل الآخرين ، وما ذلك إلا من كبرياء أو أشبه بالظلام الحالك الذي يفتت الإرادة ويقضي على مقوّمات النجاح الفردية، علاوة لكونه يملأ الطريق بالعتمة القاسية التي تجعل من الإنسان أحرص ما يكون على البحث عن معوّقات عدم العمل واللاشعور بالمسؤولية ، لأن بعض النفوس البشرية أصبحت خاوية من القيم والأهداف بعدما تخلى أصحابها عن إحساسهم بالمسؤولية، هذا التخلي يسّر لهم عدم الاهتمام بما يتوجب عليهم فعله.
عليه فمن الواجب علينا أن ندرك تحمل معنى المسؤولية في جميع تصرفاتنا ومجالات حياتنا (( فكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته)) ؛ فليس من العدل أن نزكي أنفسنا ببعض الخصوصيات ونلوم الآخرين على فعلها دون مراعاة لما يسببه ذلك التصرف ؛ فالإحساس بالمسؤولية نور ينبثق من القلب بعدما يسيطر على المشاعر ويتحكّم بمقدرات الفرد فيعيش في سكينةٍ واطمئنان ويرفع من مقامه كلاً حسب موقعه ؛ فالمدرس مثلاً عندنا يراعي مستويات طلابه جميعاً ويدرك معنى المسؤولية ويبتعد عن مفردات اللامبالاة لتحقيق غايته في وضع التقييم الدراسي أو وضع أسئلة تمكنه من إبراز مهارته ومعرفته وإدراكه للأمانة ؛ فهنا تتحقق معاني المسؤولية ، وكذلك بالنسبة لمن ولي في منصبٍ قيادي عليه أن يكون حريصاً على مراعاة قدرات من وليَّ عليهم ؛ فلا يكلف الموظفين بعمل فوق طاقتهم التي تكون في بعض الأحيان سبباً من أسباب التذمر والامبالاة ، وانعكاساً سلبياً على المجتمع كافة ؛ فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( اللهم من وَلِيَ من أمر أُمتي شيئاً فَشَقّ عليهم فاشقق عليه ، ومن وَلِيَ من أمر أُمتي شيئاً فَرَفِق بهم فارفق به)).