إنسانية رمضان
د. علي زين العابدين الحسيني الأزهري
باحث وكاتب أزهري
حينما نستقبل رمضان لا بد أن نتأكد أنه سيزيد في أعمارنا، ومع دخوله يتحتم علينا السؤال هل رمضان سيزيدنا حياة أو إنسانية؟ أم أننا سنكتفي منه بزيادة أعمارنا لا غير ؟
في كلّ رمضان يجب أن يولد فينا الجديد من إنسانيتنا، فنقلب ما مضى من أيام ونحاول طي صفحات الخصومة، وتمزيق أوراق الأخلاق السيئة، ومراجعة الأيام الماضية؛ بحيث نكسب فيه أخلاقا حسنة، وعادات عليا، وصحة في النفس والجسم، وتكون عندنا نية وإرادة لإصلاح ما فات من سيء الأيام.
إن الإنسانية كلمةٌ صغيرة، ولكنّ الفرق بين لفظها ومعناها مثل ما بين القمر في منظره والقمر في حقيقته، وتتعدد أوجه الإنسانية في رمضان، وتختلف معانيها، وهي عقلٌ وإحساس، وحينما نكون إنسانيين يزداد شعورنا بالآخرين، وتتأصل فينا معاني الرحمة، وتنتشر بيننا طرق الخير.
من معاني الإنسانية الرمضانية مودة ذوي القربى والإحسان إلى أهلك، وبذل الخير لجيرانك، والإحسانُ إلى أهل القرابة في رمضان والعطفُ على جيرانك هو في حقيقته تدريبٌ عملي على مودات الأباعد، وتمهيدٌ للإحسان الشامل الذي يعم جميع فئات المجتمع مستقبلا.
من إنسانية رمضان فيما إذا كنتَ غنيًا مواساةُ الفقراء والحفاظُ على مشاعرهم، فلا تسرد عليهم أحاديث نعمتك على مسامعهم، ولا تتفنن في إظهار ما تتمتع به مِن نعمٍ في حين لا يجد الآخرون ما تجده من صنوف الطعام والشراب، فتتحسر قلوبهم، وتتوجع نفوسهم.
بات علينا التنبه أنّ من أوجه الإنسانية الرمضانية عدم الحرص فيه على الغلو في تصوير وتوثيق لحظات العطاء للفقراء والمساكين، ونحرص على عيش لحظات السعادة ومعاني الإنسانية معهم حتى ولو كانت دون توثيق؛ لأن الحياة ليست استعراضاً لصور دون مشاعر أو أحاسيس.
حرصُك على تفطيرِ صائم محتاج، وإعطاءِ مكان جلوس لرجل مسن في الحافلة، وإمساكك بيد إنسانٍ كبير السن تعبر به الشارع، وإعطاءِ مكانك في الحجز عند الطبيب لمريض في حاجة للدخول عليه في أسرع وقت، وتفقدك للفقراء والمساكين كلها من أوجه الإنسانية ومعانيها فاحرصْ عليها وادخل أبوابها وزاحم أهلها.
في شهر رمضان الفضيل افرضْ وجودك في أعمال الخير، وادفع أبوابها بقوة، ولا تدعْ معنى من معاني الإنسانية إلا وقد طرقت بابها، فمتعةُ الحياة: أن تعطي دون مقابل، وتفعل الخير دون ذكر، وتتصدق دون رياء، وتقف مع المحتاج دون منة.