2024
Adsense
مقالات صحفية

جائحة كورونا والدفء الاجتماعي

علي بن مبارك اليعربي
الاخصائي الاجتماعي بمدرسة مازن بن غصوبة بولاية سمائل

كما يقال: رب ضارة نافعة.
في خضم التطور والتكنولوجيا والنهضة الحديثة أو ما يسمى بعصر السرعة كما يحلو للبعض تسميته، كانت هناك هوة اجتماعية خفية بين أفراد الأسرة والمجتمع، الكثير منا تجاهلها وبدون قصد ألا وهي الابتعاد أو ترك الترابط الأسري والتقارب المجتمعي، هذا الترابط هو بلا شك متأصل بالفطرة الاجتماعية التي جبل عليها بنو البشر. ومع ذلك يختفي في كثير من الأحيان ذلك النسيج المجتمعي وخاصة الأسري منه بحجة الاشتغال والتزامات العمل و قلة الوقت مما أوجد فجوة كبيرة أمست بسببها كثير من الأسر للأسف *أمية* أي: اعتمدت في التنشئة على الأم. والأب همش دوره و البعض غيبه إلا من رحم ربي. وأصبحت المدرسة تتحمل المسؤولية كاملة في تربية الناشئة رغم أنها مكملة لدور الأسرة في التربية لا مستقلة. ومع هذه الغفلة و تلكم الهوة أرسل لنا خالق الكون و محسن الأخلاق ومدبر الأمور *جائحة كورونا* توقضنا من غفوتنا وتهيئ لنا جوا من المحبة والألفة والتقارب الأسري والتلاحم والتقارب المجتمعي رغم بعد المسافة بسبب الحجر الصحي والتزام الجميع دورهم وأماكن سكناهم. إلا أننا شعرنا بالمسؤوليه كاملة تجاه من نعولهم، وأن لهم احتياجات كثيرة ليست تلك الاحتياجات التي كنا نظن ونعتقد بأن أبناءنا في حاجة لها أكثر من غيرها وهي المأكل والملبس والذي شغلنا جل فكرنا وجهدنا في سبيل توفيره لهم. ونسينا أو تناسينا ما هو أهم من ذلك وهو التغذية الروحية، والتى لم و لن تتأتى إلا من خلال قربنا منهم والتواصل الفكري المستمر معهم والاستماع والإنصات لهم وإشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية، فهذه الحاجات الفسيولوجية مهمة لنا جميعا وليس لأبنائنا فقط، كحاجتنا للمأكل والمشرب والملبس، ولا غنى لكل منهما عن الآخر. فلو سألنا أنفسنا في ظل هذه الظروف رغم التباعد المجتمعي و الجسدي خارج نطاق الأسرة في البيت الواحدة: *ألا نشعر بالشوق والمودة لزملائنا في العمل وأقاربنا رغم ما قد يوجد بيننا من خلافات قوية وربما أحقاد ناتجة من الاختلاف في وجهات النظر ووجود بعض المشكلات العالقة بيننا أحيانا أخرى؟*
*ألا تشعر بتغير في تعامل الزوجة والأبناء؟*
*ألم تكتشف بأنك كنت بحاجة لهذه الإقامة الجبرية لتضع الأمور في نصابها؟*
هذا ما يسمى *بالكيان* فقد أصبح لك عزيزي *كيان أسري* نعم تشعر به وتحس بالمسؤولية تجاهه، وهذا الكيان هو إطار *مؤسسي* ضمن *منظومة تربوية* متكاملة أو ما يطلق عليها *الشراكة المجتمعية* فكن فطنا عزيزي ولا تفوت فرصة الاستفادة من هذه الأزمة التي تمر بها الأمة قاطبة من جراء *جائحة كورونا* وقم بجدولة يومك على أكمل وجه، ولتكن هذه الجائحة بداية تعديل المسار لديك. *فرب ضارة نافعة* لديك أخي الكريم من الوقت ما يكفي لكل الأعمال المنوطة بك، فقط عليك جدولتها حسب الأولويات. واجعل مما في المراتب الأولى من تلك الأولويات الجلوس مع أبنائك؛ فهم في حاجة ماسة إليك، استمع إليهم وأنصت ولا تتجاهل مشاعرهم، وتحسس احتياجات من خلال تخصيص جزء من وقتك لمعرفة ما يدور حولهم وكيف تسير الأمور معهم، كن قائدا ناجحا في بيتك *فأنت راع ومسؤول عن رعيتك* في المدرسة المحمدية، مصداقا لقوله (صلى الله عليه وسلم) *كلم راع وكلكم مسؤول عن رعيته* أيها الربان، البحر متلاطم والأمواج عاتية والركاب أجسامهم وعقولهم هشة لا تقوى على مواجهة تلك الأهوال فكن في قيادتك حكيما تستخدم العقل لا الجسم لتصل بسفينتك إلى بر الامان. فاستنفر كل طاقاتك، ولا تجعل هذه الجائحة نقمة بل حولها نعمة فهي رحمة من رب العالمين أنزلها لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى جلت قدرته. لذا علينا أن لا نجعل الابتعاد عن مقاعد الدراسة فترة للتأفف والملل بل لتفجير طاقات الأبناء وتعزيز إبداعاتهم واكتشاف الجوانب التي قد تكون خافية على رب الأسرة و شريكته في شخصية أبنائهم.
وأن نجعل قول الله تعالى في محكم كتابه العزيز *وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴾* [الشعراء: 151، 152] نبراسا نهتدي به.
لذلك علينا جميعا أن لا تترك أبناءنا في مهب الريح يتخطفهم أصدقاء السوء يمينًا أو يسارًا، لابد من مراقبتهم. ولن يتحقق ذلك إلا إذا صاحبتهم وكنت لهم الصديق الصدوق في كل مناحي حياتهم العامة منها والخاصة وشاركتهم أحاسيسهم ومشاعرهم وتلمست حاجاتهم النفسية والاجتماعية والمادية، فبذلك تكون قد أوجدت لديهم الشعور بالمسؤولية للبحث عن الأفضل لهم ولمجتمعهم..
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى و ألهمنا سبل الرشاد.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights