حلاقة أبي
بقلم :راشد بن حميد الراشدي
عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية
مع أزمة كورونا (كوفيد — ١٩) والإجراءات الاحترازية المتخذة للحد منه وجدنا أنفسنا نعمل الكثير من الأعمال التي كنا نعتمد فيها على الغير ومنها حلاقة الشعر وتهذيبه بآلات الحلاقة الكهربائية أو اليدوية واليوم بحثت مع أحد أبنائي توفير حلاقة لأحلق شعر رأسي فوجدت معه أمنيتي لكي أحلق شعري لأول مرة داخل بيتي حينها تذكرت كل تلك التفاصيل الجميلة من رحلة الحياة قبل ٣٥ عاماً مضت عندما كان جميع من في البيت الكبير يحلق لهم أبي وأعمامي _ رحمهم الله. فحلاقة أبي المتواضعة التي يوضع في وسطها الموس الخفيف كانت تمضي على كل شيء فتجعل رأسك كحقل تم حصاده لا ترى فيه خصلة شعر واحدة ومعه تجد عددا من الجروح البسيطة تندي دماً ونحن نغسل رأسنا الموسوم بجروح تلك الحلاقة الجميلة بفرح وسرور وخاصة الأيام التي تسبق العيد؛ حيث نجتمع بالعشرات لأخد دورنا من مشرط الموس المنساب على رؤوسنا.
اليوم اختفى كل شيء جميل بإعتمادنا على الغير ؛ كان ري المزارع والحقول بأيدينا وزرع ورعاية الأشجار بأيدينا والعمل في الرعي والتجارة بأيدينا؛ كان عمي _ رحمه الله _ يخيط ملابسنا ويخيط أيام العيد الوطني علم السلطنة بألوانه الجميلة وبالجانب الآخر من كان يعمل في النجارة وقطع الأخشاب في دكان والدي _ رحمه الله _ أحد العمانيين ومن كان يعمل بائعاً وحمالاً هم أصحاب المحلات وعدد من الإخوة العمانيين العاملين معهم.
بائع الخضار والفواكه والزروع عماني لا وجود لوافد؛ كانت أياماً جميلة تفوح بالبساطة في أبهى معانيها؛ فقد كان الوطن يعتمد على سواعد أبنائه رجالاً ونساء؛ فالمرأة عاملة في بيت وحقل زوجها أو أبيها من جنيً لثمار النخيل والسقي وتوفير الماء والأخشاب وحصاد الزروع وتربية الماشية.
أيام صعبة لكنها جميلة باعتماد الناس على أنفسهم وتعاونهم وتعاضدهم مع بعضهم البعض حتى البيوت في حقب ماضية كانت هندستها وبنائها بأيد عمانية ماهرة.
اليوم ذكرتني حلاقة أبي _ رحمه الله _ بذلك الزمن الجميل وكم هو جميل أن نعتمد على أنفسنا في بعض الأمور ولا نتركها للغير. فبعض الأعمال المنزلية كالسباكة والتوصيلات الكهربائية لا تحتاج منا سوى بعض الهمم لإصلاح ما عطل بدلاً من الإعتماد على الغير.
اليوم نقف رافعين أكف الضراعة لنعم الله في هذه العهود الزاخرة بالخير والحياة الكريمة التي نعيشها في ظل نهضة متكاملة الأركان والتي يجب أن يقف الإنسان فيها مع نفسه شاكراً أنعم الله التي سخرها له من الفضائل والنعم والخيرات التي نتمنى استمراريتها لنا ولأجيالنا القادمة وذلك من خلال شكر المنعم وعدم التكبر على نعم الله . وباعتمادنا على أنفسنا في بعض الأمور التي لا نحتاج لأحد أن يساعدنا فيها.
فنحن نعيش اليوم في ظروف طيبة لم يعشها أباؤنا الأولون من رغد العيش الكريم والخيرات الوافرة في ظل نهضة متواصلة يقودها سلطان حكيم جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم _ حفظه الله ورعاه.
ولتكن ذكرى الأيام الخوالي سعادةً لكل من عاش في كنفها ودرسا لمستقبل سعيد نتخذه من أجل حياة سعيدة .
حفظ الله عمان وسلطانها وشعبها وألبسكم ثوب الصحة والعافية وأنتم ترفلون في أثواب العز والفخر وحفظ ديار المسلمين جميعاً من كل مكروه.
# سناو
الأربعاء ١٥-٤-٢٠٢٠م