2024
Adsense
مقالات صحفية

التغيير بالكورونا

د. علي زين العابدين الحسيني الأزهري
باحث وكاتب أزهري

تعدّ الشدائد والأمراض النازلة من أقدار الله عز وجل التي يبتلي بها الخلق، ويمحص مدى ثباتهم وإيمانهم، وقد وقع في التاريخ كثيرٌ من الأوبئة العامة، وكان أشهر وباء في التاريخ مرض الطاعون في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
أصاب الطاعونُ فيما مضى في أزمنة متفاوتة خيارَ الأمة وصالحيها، ومات به سادتها من الصحابة والعلماء والأولياء والفقهاء، وذكر المؤرخون أنه مات للحافظ ابن حجر العسقلاني بسبب الطاعون بناته: زين، وغالية، وفاطمة، ومع موت بناته ألف كتابه: (بذل الماعون في فضل الطاعون).

تسبب وباء الكورونا في الظاهر حصول ضرر لكثيرٍ من أغنياء المسلمين فضلا عن فقرائهم، ولكن من خلال نظرة أعمق لهذا الوباء خارج الصندوق فقد حصل خير ولا زال في وضع الناس السلوكي، فكان حالهم قبل الكورونا أسوأ بكثير مما هم عليه الآن، حيث تبدلت الأخلاق للأفضل، ولذا لابد من أن يسعى كلٌ منا في تغيير سلوكه للأفضل مستغلًا وباء الكورونا في التغيير به للأمثل.

تُرى ما الذي جعل الكثيرين يحاولون تهذيب أخلاقهم وتعديل عباراتهم وإظهار محاسن أفعالهم؟
أهو الشعور بقرب الأجل أم الفزع الحاصل من الموت، أم اليقين بأن الموت أصبح محيطًا بنا من كلّ جانب، أم الإحساس بأن الدنيا أرخص من أن يصارع بعضنا بعضًا من أجلها، ويحقد بعضنا على بعض بسببها، وقد يكون الإحساس بكل ما سبق هو سبب التغيير.

هذا العالَم المتحضر والمزود بكل أنواع التقنية الذي كنا نحسبه قويًا، وهذه الأموال الهائلة التي كانت تنفق في سفاسف الأمور أين أمست؟ وأين صارت؟ قد كنا نرى أناسًا كثيرين أقوياء بأموالهم متعالين في كلامهم، متعالين على عباده فأين موقعهم الآن؟، ربما لو استمر الوباء لمدة أكثر سيلحظ الجميع أنه لا ثم فرق بينهم وبين غيرهم، هذه القُوى فيما مضت أصبحت ضعيفة ذليلة لا وزن لها ولا قيمة.

تغيرت الأحوال، وتبدلت المفاهيم، واحتارت النفوس بسبب هذا الوباء، ولك أن تتأمل حالة الفزع التي يعيشها بعض الناس ووصلت إلى الخوف من أن يطرق باب منازلهم طارقٌ، فأغلقت الأبواب، وصرتَ ترى الرجل من بعيد تخاف الاقتراب منه أو السلام عليه، ولو وُجدت لك فرصةُ عدم رؤيته تمامًا لفعلتَ.

هذه الأيامُ فرصةٌ للتغيير نحو الأفضل، ودروس عملية لتربية النفوس وتطهيرها من أدران الحقد والحسد، وواقع عملي طالما غفلنا عنه، فالدنيا ما هي إلا لحظات يسيرة، فلماذا يتعب الناس أنفسهم في الكيد بالآخرين؟، وأضحى الجميع بسبب الكورونا متساويين، فالفقراء في بيوتهم قابعون، والأغنياء في منازلهم ساكنون، لا اختلاف ولا تميز بينهم.

إنّ أخلاق الناس قبل الكورونا وزمن الكورونا مختلفة، فنما شعور الفرد بالآخرين، وزادت الألفة والمحبة، حتى أصحاب النفوس المريضة شغلتهم الكورونا عن غيرهم، والناس كانوا فيما مضى نيامًا حتى إذا ما أتت الكورونا شعروا بقرب الأجل وحقارة الدنيا، فلانت قلوبهم، وأرجو بعد كشف الله لهذه الغمة أن تتحسن الأخلاق وتتتغير إلى أن تصل لأخلاق الكبار الصالحين.

أعود للحافظ ابن حجر العسقلاني حينما بذل نفسه للنفع العام للناس، فرغم ما وقع به من شدة ومصيبة إلا أنه ألف كتابه وأقبل على التعليم وتأليف الكتب، وهو بفعله هذا يصدر للأمة مثالًا وقدوة حسنة في تمام الرضا والتسليم وقوة البذل، فأحيوا أوقاتكم بما ينفعها في هذه الظروف من علمٍ نافعٍ أو عمل صالحٍ، والله المرجو سبحانه أن يمن علينا برحمته وأمنه وسلامه.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights