بين الدعاء والضمائر
بقلم : راشد بن حميد الراشدي
عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية
منذ ساعات الفجر الأولى وطوال الليل تتواصل رسائل التواصل الاجتماعي بالأدعية والتهاني والقصص والأخبار والنوادر وغيرها من الرسائل التي يتفنن المرسل في إرسالها لجميع من معه فرادى أو مجموعات وعندما أستحضر هذه الرسائل الكريمة مع نفسي بكل ما حوت وأتساءل لو طبق الناس ما يدعون اليه وما يرسلونه لكان العالم جميلاً ولزال الحسد والظلم والطغيان والمعصية من نفوس العباد ولساد الخير الأرض وعمرة بالصلاوات والأعمال الصالحة ولطافت الرحمات أرجاء الكون لتحيا الأمم سعيدة بلا شحناء ولا بغضاء ولا حروب ولا أوبئة ولرزقت من حيث تحتسب ومن حيث لا تحتسب .
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي، إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ، حَبَّةُ خَرْدَلٍ» (أخرجه مسلم في الصحيح)
اليوم نرى كثيرا من الناس يقولون ويأمرون بما لا يفعلون ولقد شهدت على قصص غريبة عجيبة يأمرون الناس بالصلاة وهم على فرشهم يتلاعبون بحبات هواتفهم ولا يقيمون لله وزن ويدعون وهم لا يفقهون شيئا من دعائهم لأنهم لا يقرأونه ولا يتمحصون ما فيه ويرسلون الآيات بلا خشوع ولا ذكر هكذا ساد الأمر اليوم بين الناس وهكذا اصبح حالنا في هذه الأيام اجساد مفرغة من الإيمان والعمل للرحمن همها وشغلها الشاغل أن تنشغل بما لا تفقه أمره ومتنه .
الإيمان يصدقه القلب وتترجمه الأعمال الصالحات فجوهر المسلم عمله الصالح.
غن خرشة بن الحر قال شهد رجل عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه بشهادة فقال له لست أعرفك ولا يضرك أن لا أعرفك ائت بمن يعرفك فقال رجل من القوم أنا أعرفه قال بأي شيء تعرفه قال بالعدالة والفضل فقال فهو جارك الأدنى الذي تعرفه ليله ونهاره ومدخله ومخرجه قال لا قال فمعاملك بالدينار والدرهم اللذين بهما يستدل على الورع قال لا قال فرفيقك في السفر الذي يستدل على مكارم الأخلاق قال لا قال لست تعرفه ثم قال لرجل ائت بمن يعرفك )
فعمل المؤمن والتعامل معه هو أساس الإيمان حيث أرسل لي أحد الإخوة رسالةً عن بر الوالدين وهو لا يعرف من بر والديه سوى زيارة لهم آخر الشهر وهم يسكنون في نفس الحي ( المكان ) فثارت نفسي لتخطط كلمتي صلاح ونصيحة له فيما أرسله لي وقد أرسله لمجموعة كبيرة من الناس فما بالنا نكتب ما لا نعمل ونُنظر ولا نفعل!!!
وكذلك في يوم من الأيام وأمام ناظري يمشي أحد الإخوة بالنميمة والمخادعة بين أخوين وعمله سوء وفعله جريمةً لا تغتفر وختامها يرسل لنا من الآيات والعبر ما تقشعر منه الابدان فهل هذا هو الإيمان .
اليوم الجميع منشغل بالخوف من الأوبئة وهي جند الرحمن سببها ومسببها ومُنزلها ورافعها هو الله العزيز الغفار بيده الأمر وهو على كل شيء قدير .
ما يحدث حولنا من شباب تسيد مواقع التواصل الإجتماعي وظن نفسه أنه من علماء عصره ودهره يرسل خطاباته الرنانة عبر مقاطعه اليومية تارة بالنصح وتارة بفتاوي لا يفقه منها شيء وتارة بالأعمال الصالحة والقصص الوعظية وهو بعيداً عن الإيمان بما يطلبه من الناس وأعماله بعيدة عما يقول وهناك من يبتدع أموراً شتى تستخف بعقول الناس من خلال تواصله .
إذاً هي أمور تنظيرية بحته من خلال برامج التواصل الإجتماعي وجد فيها الناس ظالتهم من خلال فضاء واسع وأوقات كبيرة إقتطعوها لهذا المرض القاتل للوقت والنفس والمال فانطلقوا من خلالها لفضاء فسيح ومجالات رحبة الصالح والطالح يرتادها فاختلط الحابل بالنابل وإنسرق الناس وراء هواتفهم مهمومين بقضاء أوقات لا تسمن ولا تغني من جوع إلا من رحمه الله وهم قلة .
إذا يجب أن نميز الخبيث من الطيب وأن نستفيد ونعي ما نرسله ونقوله ونطبقه على أنفسنا قبل إرساله وسنجد أننا تمكنا من جمع كماً هائل من المعارف والمعلومات والأدعية المأثورة والمقالات الواعية وغيرها الكثير من الفوائد الكبيرة من هذا البحر الغاشم الهائل بتموجاته وموجاته .
فبين الدعاء الذي نرسله وضمائرنا اليقظة تقع نقطة القدر لمن تفكر واعتبر
حفظكم الله ورفع قدركم وأعلى منازلكم وجنبكم شرور الدهر وآفاته .
وعسى برفع الغمة وزوال النقمة ودروب الخير .
# سناو
الأحد ٥-٤-٢٠٢٠م