كورونا.. واعتياد النعم
سليمان المعمري
أعلم تماما أنني لست الوحيد الذي استغل هذه المحنة وكتب عنها موضوعا متعلقا بها أو متزامنا معها ، وهذا الحال يتكرر مع كل حدث ، ويتفاعل الكُتّاب كعادتهم مع هذه الأحداث بغية إيصال فكرة أو دفع شبهة أو دحض شائعة أو تصحيح بعض المغالطات المتداولة.
لكنني في هذا المقال أود أن أتحدث عن أمر نعيشه ونتعايشه من قبل أي حدث ، ألا وهو (اعتياد النعم) . نعم اعتياد النعم ، حيث أننا اعتدنا الكثير من النعم حتى أضحت لنا رتابة أو لربما ضننا أنها حقا ملزما لا يستدعي التفكير فيه أو الحديث عنه!؟!
والأمر ليس كذلك ، بل إن الأمر له تجليات واضحة ، وكواشف غامضة ، فإن اعتدنا أن نمارس شعيرة الصلاة بلا خوف ولا وجل ، فغيرنا يمارسها وهو في هلع وأمر جلل ، وإن اعتدنا أن نجد ضروريات العيش اليومية كالماء والكهرباء فغيرنا يجدها بمحنة ومشقة ، وإن اعتدنا أن نزداد في أي وقت وزمان ، فهناك من يرزح تحت وطأة الفقر والحرمان ، وكذلك عندما نصبح ونمسي ونجد أهلنا أمام ناظرينا وهم بخير وعافية ، هناك من يمكث سنينا تباعده الغربة وضيق العيش أن يلقى أهله وذويه .فنحن والله في نعم كثيرة ومِننٍ عظيمة ، وقد قصها لنا نبينا الكريم بحديث اختصر لنا ما اعتدنا عليه حين قال 🙁 مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا).
وجاء كورونا ليذكرنا بهذه النعم ، ليوقظنا من غفلتنا ، ويصحح لنا مسار حياتنا ، ويوجه لنا رسالة عظيمة مفادها أن النعم التي اعتدنا عليها هي منة وفضل وكرم من الله عزوجل ، وأنها تدوم بالشكر وتزول بالكفر( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ). والشكر ليس قلقة باللسان ، بل عملا بالأركان وتصديقا بالجنان.
إن أي أمر يقدره الله لعباده فهو خير لهم، خاصة لعباده المؤمنين ، قال عليه الصلاة والسلام 🙁 عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ، إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ). نعم خير لمن علم ذلك علم اليقين ، وحول هذه المحنة إلى منحة، فاجتمع بأهله وعلمهم الخصال الحميدة والأفعال النبيلة ، وعلمهم ما فاتهم من أمر دينهم وآخرتهم ، وربى فيهم قيما كريمة ، ودعاهم لاستثمار أوقاتهم لما فيه عونا لهم في دنياهم وعقباهم، كالقراءة والتعلم والقيام بالأعمال المختلفة التي تعينهم على قضاء حوائجهم بأنفسهم.
ختاما؛ مثل هذه المحن تعلمنا درسا جميلا ومهما، وهو أن نكون على صلة دائمة بالله في الشدة والرخاء، لنكون ذا إيمان وصبر في شتى المصائب والمحن، وأسأله سبحانه وتعالى أن يرفع عنا هذا البلاء، وأن يدفع عنا هذا الوباء، ونكون من بعده أشداء وأقوياء.