2024
Adsense
مقالات صحفية

” قوقعة الذكريات”

إلهام عوض عبدالله الشهراني

عندما أذهب لقضاء مستلزمات منزلية من السوق، ويصادفني الوقوف عند إشارة شارع العطايف، والذي كان حي كبير قضيت جزءًا من طفولتي فيه، حيث حصلت على التعليم الإبتدائي ومازال يرسخ في خيالي ذكريات جميلة عن ذلك المجتمع الذي عشت فيه كانت صفاتهم الشخصية على الفطرة وعلاقاتهم مع بعضهم البعض كالجسد الواحد، ويعلو بها إلى منزلة الإخوة الصادقة، والنوايا الحسنة التي لم تتلوث بالأطماع ومغريات الدنيا، ولم تخترقهم الحضارة، ومع أن الأسر معظمها لا تحمل مؤهلات علمية، ولا يعرفون القراءة والكتابة إلا في النادر، ولكن يعرفون دينهم وما يحثهم عليه، ويعملون بما أمرهم الله ورسوله، وثقافتهم الدينية يستمعون إليها من البرامج الدينية في الإذاعة والتلفزيون، ومن الكبار في المجتمع.

كانت والدتي -رحمها الله- تزرع فينا حسن التربية بوسائل متعددة، ومنها: وسيلة الحرمان، والتي كانت علاج فعال في تهذيب النفس، خصوصا عندما نرتكب خطأ جسيم، فكان العقاب الحرمان من المبلغ الرمزي الذي كنت اشتري به مشروبي المفضل (الميرندا) في المدرسة، وفي ذلك اليوم تشعر بي أخت وصديقة لي كانت تتقاسم معي الهموم وتجبر خاطري وتشتري لي (الميرندا) بنفس راضية.

وفي نفس السياق :
جمعني القدر يوما في إحدى الأندية النسائية بإحدى صديقات الطفولة، ولما ذكرت عائلتها الذي لم أنساه، ويسطع في كل أنحاء المعمورة، فوالدها -رحمه الله- كان رجل أعمال مشهور، وبعده أبنائه يسيرون على خطاه، وقد سألتها: عن الفتاة الحنونة الوديعة (هيفاء) وعائلتها، فاندهشت وبدأت تتسأل حتى وصلنا إلى نهاية شريط الذكريات، لم تتغير هيفاء كما هو معهود في واقع الناس، لأن معدنها أصيل نفيس، ونشأت في أسرة صالحة.

وعند التمعن بحياة هيفاء فقد كتب عليها مثل ما كتب على البشر، والذي يعبر عنه قوله تعالى : “وخلقنا الإنسان في كبد”، ولكنها كانت القانعة الصابرة.

البعض يتصور السعادة في المال أو المنصب، وينسى ثقل ميزان السعادة الحقيقية بالقرب من الله، والعمل على طاعته، والإيمان الذي يملأ القلب، وهي ثمار العقيدة السليمة.

وفي موقف آخر، حضرت مناسبة خطبة ابنة صديقة الطفولة، والماضي خيم علينا بذكريات بين الفنية والأخرى نبتسم ونحزن، لأن الناس تغيرت كنا نذهب معا نحضر من مزرعة صغيرة قرب الحي لبن البقر الطازج، نأخذه من جيران يتقاسمون مارزقهم الله أياه مع جيرانهم.

في شهر رمضان الفضيل أهل الحي يعم عليهم مشاركة وجدانية وعبادة وتبادل الطعام قبل المغرب، فتصبح سفرة الطعام لكل منزل مليئة بما لذ وطاب، وكأنهم سواسية على المائدة.

قل الكرم بين الجيران في زماننا هذا إلى درجة الإنقراض وأصبح عملة نادرة.

والواجب أن تبنى العلاقات الاجتماعية الصادقة على قلوب بيضاء، ويكون التعامل بالاحترام والمحبة لذلك تستمر، وتبقى هذه المعاني خالدة في الأذهان إذا خليت من المصالح والأطماع الدنيوية المتفشية عند البعض في هذا العصر، كما يقال :”من حبك لشيء كرهك لفقده” يكرهك ويعاديك ويصبح الخنجر المسموم الذي يطعنك من الخلف عندما لم يتحقق مراده، وكأنك مكلف وفرض عليك تحقيق أطماع ومنافع الغير.

والبعض عندما يصل لمبتغاه لاترى منه إلا الجحود والصدود، ففي الماضي كانت الجارة تقوم بمساعدة جارتها عند المرض، وعند الولادة كان الواجب بينهم مكتسب من ديننا الحنيف وصفة من أخلاق العرب الذي جاء الإسلام ليتمم مكارمها.

كان الجار يساعد جاره المحتاج الذي يعيش على قوت يومه،
فهي نفوس كريمة لا تعرف النفاق الديني والأخلاقي المتجسد في صفات البعض.

حتى لما نقلت أسرتينا من الحارة إلى حي ومنزل يعتبر للطبقة المخملية، استمرت الزيارات المتبادلة مع الجيران بالحي، ولم يصيب أمهاتنا الغرور في أنفسهن
بل محافظات على العشرة والواجب الديني والمعروف.

وفي الختام :

من حسن أخلاق المسلم حفظ المعروف ورد الجميل بالمثل أو أفضل منه والدعاء لصاحبه والاعتراف بالفضل، ونكران
الجميل خسة ويعبر عن نفس حقيرة ومن أقبح الأفعال، ولا يتصف بها فرد مسلم قلبه سليم.

قال الغزالي :
“إن الجميل ليثمر في الكلب العقور، أفلا يثمر في إنسان عاقل”

كما يجب على الفرد المسلم بهذا العصر لا يصنع معروف إلا لمن رأى منه جميل يوجب عليه الرد بالمثل حتى لا يقع في منحنى الاستغلال والنكران.

كما قال زهير ابي سلمى :
” ومن يجعل المعروف في غير أهله يكن حمده عليه ذما ويندم”.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights